الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
232 - رقم الاستشارة : 685
14/01/2025
كيف يصوم المسلمون الذين يعيشون في بلاد يطول فيها النهار، ويقصر فيها الليل، وصيامهم هذا يشق عليهم مشقة شديدة ؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه مسألة لم يرد فيها نص، لعدم وصول الإسلام إلى هذه البلاد وقت نزول الوحي في العصر النبوي، ولذلك اجتهد فيها الفقهاء، وتعددت وجهات نظرهم، فيرى جمهور الفقهاء أن على أهل هذه البلاد الذي يتمايز فيها الليل والنهار أن يصوموا عند غروب الشمس، وإن شق عليهم ذلك مشقة لا تحتمل فيمكنه أن يفطر ويقضي هذه الأيام في أيام أخرى يستطيع الصوم فيها، حيث تقصر ساعات النهار.
ويرى بعض الفقهاء: أن يصوم أهل هذه البلد تبعًا لتوقيت مكة أم القرى التي نزل فيها القرآن، أو المدينة التي تنزّل فيها التشريع، وما حولهما، أو أن يصوموا بتوقيت أقرب بلد معتدل من البلاد الإسلامية.
يرى الأستاذ الدكتور مصطفى الزرقا ـ رحمه الله ـ أن تُتَّخذَ إحدى قاعدتين لهذه البلاد النائية شمالاً وجنوبًا:
إما أن يعتمدَ لها جميعًا ـ سواء أكانت مما يتميَّز فيها ليل ونهار أو لا ـ أوقات مَهْدِ الإسلام الذي جاء فيه، ووردت على أساسه الأحاديث النبوية، وهو الحِجاز، فيؤخَذ أطول ما يصل إليه ليل الحِجاز ونهاره شتاءً، أو صيفًا فيطبَّق على أهل تلك البلاد النائية في الصوم والإفطار وتوزيع الصلوات.
وإما أن نأخذ أقْصى ما وصل وامتدّ إليه سلطان الإسلام في العصور اللاحقة شمالاً وجنوبًا، وطبَّقَه العلماء فيها على ليلهم ونهارهم في فصول السنة، فنعتبره حدًّا أعلى لليل والنهار للبلاد النائية التي يتجاوز فيها الليل والنهار ذلك الحدَّ الأعلى، ففي تجاوز النّهار يُفطرون بعد ذلك، وتوزَّع الصلوات بفواصِلَ تتناسب مع فواصِلِ ذلك الحَدِّ الأعلى.
وخلاف ذلك فيه مُنتهَى الحرج الذي صرح القرآن برفعه، كما هو واضح.
فإن قيل: كيف نسمح لأناس في رمضان أن يُفطروا والشمسُ طالِعة، وإن كانت لن تَغيبَ إلا نصف ساعة أو ساعة؟
قلنا: هذا سيلزمكم في البلاد التي ليلُها ستةُ أشهر ونهارها ستةُ أشهر، فإنَّكم وافقتم على أنهم يفطرون في نهارهم الممتدِّ في الوقت الذي حددتموه لهم، على الرغم من أن الشمس طالعة.
فهذا لا يضُرُّ، بسبب الضرورة، والمهم في الموضوع: رعاية مقاصِد الشّريعة في توزيع الصلوات، وفي مدة الصّوم بصورة لا يكون فيها تكليف ما لا يُطاق، ويتحقّق فيها المقصود الشرعي دون انتقاص. (انتهى).
وقريبًا من هذا الرأي أفتى فضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق والدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق.
ويرى مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي رأيًّا آخر في هذه المسألة حيث يقسم الجِهات التي تقع على خطوط العرض ذات الدَّرجات العالية إلى ثلاث:
الأولى: تلك التي يستمرُّ فيها الليل أو النهار أربعًا وعشرين ساعة فأكثر بحسب اختلاف فصول السنة. ففي هذه الحال تقدَّر مواقيتُ الصلاة والصِّيام وغيرهما في تلك الجهات على حسب أقرب الجهات إليها ممّا يكون فيها ليل ونهار متمايزانِ في ظَرف أربع وعشرين ساعة.
الثانية: البِلاد التي لا يَغيب فيها شفق الغُروب حتّى يطلع الفجر، بحيث لا يتميّز شفق الشروق من شفق الغروب، ففي هذه الجهات يقدَّر وقت العِشاء الآخرة والإمساك في الصوم وقت صلاة الفجر، بحسَب آخر فترة يتمايَز فيها الشَّفَقان.
الثالثة: تلك التي يظهر فيها الليل والنّهار خلال أربع وعشرين ساعة وتتمايَز فيها الأوقات، إلا أنّ الليل يطول فيها في فترة من السنة طولاً مُفْرِطًا، ويطول النهار في فترة أخرى طولاً مُفرِطًا.
ومَن كان يقيم في بلاد يتمايَز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أنّ نهارَها يطول جدًّا في الصيف، ويقصُر في الشتاء، وَجَبَ عليه أن يصلِّيَ الصلواتِ الخَمْسَ في أوقاتها المعروفة شرعًا لعموم الأدلة…
وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان، فعلى المكلَّفين أن يُمسكوا كلّ يوم منه عن الطعام والشّراب وسائر المُفْطِرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعًا وعشرين ساعة، ويحلُّ لهم الطعام والشراب والجِماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيرًا...
ومَن عَجَز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو عَلِمَ بالأمَارات، أو التَّجرِبة، أو إخبار طبيب أمين حاذِق، أو غلب على ظنِّه أن الصوم يُفضي إلى مرضه مرضًا شديدًا، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطءِ بُرْئِه، أفطرَ ويقضِي الأيام التي أفطرَها في أي شهر تمكَّن فيه من القضاء.
والله تعالى أعلى وأعلم