الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
19 - رقم الاستشارة : 992
16/02/2025
* ما الحكم الشرعي في بيع الأراضى لليهود في فلسطين أو أخذ التعويضات؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد أُثيرت هذه المسألة منذ وقت مبكر من القرن الماضي، وظلت تُثار في المراحل المتتابعة للقضية إلى اليوم، وقد تجاوب العلماء معها، وأزالوا ما لدى الناس من شكوك وشبهات حولها، وقد عُقِد اجتماع كبير بالمسجد الأقصى ببيت المقدس في 20 شوال سنة 1353هـ = 26/1/1935، حضره عدد كبير من العلماء، وأصدروا فتواهم في حكم بيع الأراضي لليهود، وقد أجمع الفقهاء على حرمة بيع أرض فلسطين للصهاينة أو غيرهم نظرا للمآلات التي تترتب عليها، وهذا نص الفتوى التي صدرت عن هذا المؤتمر:
فإننا، نحن المفتين والقضاة والمدرسين والخطباء والأئمة والوعاظ وسائر علماء المسلمين في فلسطين، المجتمعين اليوم في الاجتماع الديني المنعقد في بيت المقدس بالمسجد الأقصى المبارك حوله، بعد البحث والنظر فيما ينشأ عن بيع الأراضي في فلسطين لليهود من تحقيق المقاصد الصهيونية في تهويد هذه البلاد الإسلامية والمقدسة، وإخراجها من أيدي أهلها، وإجلائهم عنها، وتعفية أثر الإسلام منها بخراب المساجد والمعابد والمقدسات الإسلامية، كما وقع في القرى التي تم بيعها لليهود، وأخرجوا أهلها مشردين في الأرض، وكما يُخشى أن يقع - لا سمح الله - في أولى القبلتين وثالث المسجدين المسجد الأقصى المبارك.
وبعد النظر في الفتاوى التي أصدرها المفتون وعلماء المسلمين في العراق ومصر والهند والمغرب وسوريا وفلسطين والأقطار الإسلامية الأخرى، والتي أجمعت على تحريم بيع الأرض في فلسطين لليهود، وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره بأي شكل وصورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه، وأن ذلك كله أصبح بالنسبة لكل فلسطيني صادرًا مِن عالِم بنتيجته راض بها؛ لذلك فهو يستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حِله، كما جاء في فتوى سماحة السيد أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى.
بعد النظر والبحث في ذلك كله وتأييد ما جاء في تلك الفتاوى الشريفة والاتفاق على أن البائع والسمسار والمتوسط في بيع الأراضي بفلسطين لليهود والمسهل له هو:
أولاً- عامل ومظاهر على إخراج المسلمين من ديارهم.
ثانيًا- مانع لمساجد الله أن يُذكَر فيها اسمه، وساعٍ في خرابها.
ثالثًا- متخذ اليهود أولياء؛ لأن عمله يعد مساعدة ونصرًا لهم على المسلمين.
رابعًا- مؤذ لله ولرسوله وللمؤمنين.
خامسًا- خائن لله ولرسوله وللأمانة.
وبالرجوع إلى الأدلة المبيِّنة للأحكام في مثل هذه الحالات من آيات كتاب الله؛ كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة الأنفال: 27].
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [سورة الأحزاب: 58].
وقوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [سورة البقرة: 114].
وقوله تعالى: (لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [سورة الممتحنة: 8 – 9].
وقوله تعالى في آية أخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّة) [سورة الممتحنة: 1].
وقوله تعالى في آية أخرى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [سورة المائدة: 51]، وقد ذكر الأئمة المفسرون: أن معنى قوله تعالى: "فإنه منهم" أي من جملتهم وحكمه حكمهم.
فيُعلم من جميع ما قدمناه من الأسباب والنتائج والأقوال والأحكام والفتاوى، أن بائع الأرض لليهود في فلسطين، سواء كان ذلك مباشرة أو بالواسطة، وأن السمسار والمتوسط في هذا البيع والمسهِّل له، والمساعد عليه بأي شكل - مع علمه بالنتائج المذكورة؛ كل أولئك ينبغي أن لا يصلَّى عليهم، ولا يُدفَنوا في مقابر المسلمين، ويجب نبذهم ومقاطعتهم واحتقار شأنهم، وعدم التودد إليهم والتقرب منهم، ولو كانوا آباءً أو أبناءً أو إخوانًا أو أزواجًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين) [سورة التوبة: 23 – 24].
هذا وإن السكوت عن أعمال هؤلاء والرضا به مما يحرم قطعًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [سورة الأنفال: 24 – 25].
جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فإنه مولانا وهو نعم المولى ونعم النصير.
تحريرا في 20 شوال سنة 1353هـ 26 كانون ثاني 1935م.
(الفتوى مأخوذة من كتاب صادر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة).
والله تعالى أعلى وأعلم