الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
36 - رقم الاستشارة : 920
08/02/2025
ما حكم كذب الأسير على الأعداء حيث سيترتب على إخبارهم بالصدق أذي كبير للمسلمين؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالأصل في الكذب أنه حرام من حيث الأصل نصت على ذلك الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية المطهرة، يقول الله تعالى: ) وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) [النحل : 116].
وروى البخاري وغيره بسنده عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا".
هذا من حيث الأصل، أما إذا وقع الأسير في الأسر وطلب منه الأعداء أن يدلهم على أسرار المسلمين من حيث أماكن السلاح وعدد المقاتلين وأماكنهم وغير ذلك، فالأمر هنا مختلف، حيث سيترتب على ذلك إلحاق الأذى والضرر بعموم المسلمين، ولذلك استثنى جمهور الفقهاء هذه الحالات من الكذب المحرم.
ويدل على هذا الاستثناء ما رواه الشيخان عن أم كلثوم رضي الله عنها: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرا"، وفي رواية لمسلم: "لم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها".
ويرى بعض الفقهاء أن الكذب لا يجوز على أية حال، ويفسرون الكذب الوارد في الحديث على أن المراد به المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، والرأي الأول هو ما نختاره للفتوى.
وجاء في "الزواجر" لابن حجر الهيثمي ـ أن الكذب قد يُباح وقد يَجِب، والضابط ـ كما في إحياء علوم الدين ـ أنَّ كُلَّ مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصِّدق والكَذِب جميعًا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده فمُباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك، كما لو رأى معصومًا اختفى من ظالم يريد قتله أو إيذاءه فالكذب هنا واجب لوجوب عِصْمَته دم المعصوم. أ . هـ.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب الجهاد: إن الكذب في الحرب أحيانًا يكون واجبًا، لا مجرد جائز، مثل أن يُؤسر مسلم، أو يعتقله عدوه، فيسأله عن بعض الأمور التي تعتبر من الأسرار الحربية التي يضر كشفها بالمسلمين ويؤذيهم... فهنا لا يسع المسلم إلا الكذب والتمويه، وإن أوذي المسلم في سبيل ذلك؛ فأذاه وبلواه في سبيل الله. أ. هـ.
بل يرى بعض الفقهاء أنه يجوز له الحلف كذبًا ولا كفارة ولا إثم عليه ما دام يدفع عن نفسه وغيره الضر والأذى، فقد ذكر القرطبي في تفسيره تحت عنوان "الرخصة فيمن حلفه سلطان ظالم على نفسه أو على أن يدله على رجل أو مال رجل".
قال الحسن: إذا خاف عليه وعلى ماله فليحلف ولا يكفر يمينه؛ وهو قول قتادة إذا حلف على نفسه أو مال نفسه.
والله أعلى وأعلم