الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
27 - رقم الاستشارة : 954
12/02/2025
هل الصراع بيننا وبين اليهود، صراع على الأرض أم على العقيدة؟ وهل الصراع على الأرض ينفي الطابع العقائدي عن الصراع بيننا وبين اليهود؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وبعد:
فالأصل في الصراع القائم بين المسلمين واليهود الآن على أرض فلسطين أنه صراع على الأرض المقدسة، وهذا لا ينفي الطابع العقدي عن هذا الصراع، فالمسلم يدافع عن أرضه وعرضه ومقدساته التي أمره الله به، وهو محق في هذا، واليهودي أو بعضهم يزعم أن له حقًّا مقدسًا في فلسطين فهو يحارب من أجله، وهو على باطل.
ونحن لا نحارب اليهود لأنهم يهود فقط ولكن لأنهم يهود ظالمون وبغاة ظالمون.
يقول فضـيلة الدكتور يوسف القرضـاوي – رحمه الله-:
السؤال عن الصراع بيننا وبين اليهود، هل هو صراع على الأرض أم على العقيدة؟ وهل الصراع على الأرض ينفي الطابع العقائدي عن الصراع بيننا وبين اليهود؟ فهناك سوء فهم، أنا قلت وأقول: إن الصراع بيننا وبين اليهود صراع على الأرض، لا من أجل يهوديتهم؛ لأنهم أهل كتاب يجوز مآكلتهم ومصاهرتهم: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ..) [سورة المائدة: 5].
وقد عاش اليهود في ذمة المسلمين قروناً طويلة، لكن منذ أن طمع اليهود في أرضنا، أرض فلسطين، أرض الإسراء والمعراج، أرض المسجد الأقصى، ومنذ خططوا على أن يقيموا دولة على أنقاض المسجد الأقصى، بدأ الصراع بيننا وبينهم.
ولكن ليس معنى هذا أنه ليس صراعًا دينيًّا ولا عقائديًّا، فهناك خلل في هذه القضية، نفي أنه ليس صراعًا على العقيدة، لا ينفي أنه صراع ديني وعقائدي؛ لأننا أمة دينية واليهود أمة دينية، فصراعنا على الأرض مختلط بالدين.
المسلم حين يدافع عن أرض لا يدافع عن مجرد تراب، هو يدافع عن أرض الإسلام، عن دار الإسلام؛ لذلك إذا قتل دون أرضه فهو شهيد، وإذا قتل دون ماله فهو شهيد، وإذا قتل دون أهله فهو شهيد، وإذا قتل دون دمه فهو شهيد، وإذن كل هذا يعتبر شهادة، وهذا معناه أنها معركة دينية، فالإنسان الملتزم كل معاركه تختلط بالدين، وخصوصًا في هذه المعركة، فهي أرض القبلة الأولى، أرض النبوات، وثالث المسجدين المعظمين، أرض الإسراء والمعراج، فهذه الأرض لها طابع خاص عند المسلمين ومكانة، المسلم يدافع عن أرض له فيها مقدسات هائلة..
وكذلك اليهودي، فهي عنده معركة دينية؛ لأنه يعتبر هذه الأرض هي "أرض الميعاد"، لهم فيها أحلام توراتية وتعاليم تلمودية، وهم عندهم أقانيم ثلاثة: الله والشعب والأرض، وبعضهم يعبر عنها: التوراة والشعب والأرض، الثلاثة متداخلة مع بعض، لذلك هو يقاتلنا باسم الدين، ونحن ننكر على من يريد إخراج الدين من هذه المعركة..
أرجو ألا يفهم كلامي أنني أريد أن أخرج الجانب الديني والعقائدي من القضية، هذه خيانة، أنا لا أريد هذا، ولا ينبغي أن يُفهم كلامي على هذا، إنما أنا أريد أن أقول لبعض الناس: كيف يفهمون الآية: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) [سورة المائدة: 82] أن هذا بالنسبة للوضع الذي كان أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بعد ذلك اليهود دخلوا في ذمة المسلمين، وعاشوا بينهم آمنين، ولم يجدوا دارًا تؤويهم إلا دار المسلمين، وكانوا يعيشون بين المسلمين على أفضل ما يكون، أصحاب ثروة ونفوذ، لم يكن بيننا وبينهم صراع إلا ثقافي أحيانًا، إسرائيليات، الأشياء التي قذَّروا بها نقاء الثقافة الإسلامية، ونشروها بين المسلمين عن طريق من أسلم منهم، وقراءات من كتب غير معتمدة، وروايات شفوية، أفسدت على المسلمين كثيرًا من ثقافتهم.
اليهود كان لهم دور كذلك أيام سيدنا عثمان وسيدنا علي، عبد الله بن سبأ اليهودي ودوره، وبعضهم دخل الإسلام وعليهم علامات استفهام؛ مثل كعب الأحبار.
لا شك أن اليهود وبني إسرائيل عامة لهم أخلاق توارثوها تحدث عنها القرآن: القسوة، الغدر، الأنانية، العصبية، حتى إنهم حولوا كتابهم التوراة لكتاب قومي، ودينهم لدين قومي، فهي تتحدث عن بني إسرائيل وأحداثهم ومُلكهم، ولا تتحدث عن الآخرة أو الجنة والنار، فهذه أشياء موجودة في الكيان النفسي والفكري والخلقي لليهود، تصنعه هذه التوراة المحرفة، وأكثر منها التلمود، هذه التعاليم الخفية التي يقدسونها أكثر مما يقدسون تعاليم التوراة، والتي تعتبر اليهود صنفًا مميِّزًا على جميع الخلق، وأن الجميع يجب أن يكونوا عبيدًا لهم، واعتبروا الشعوب الأخرى أحط من البهائم وأذل من الكلاب!
فهذه أشياء نحن نعرفها، ولا نستطيع أن ننكرها، إنما أنا أقول: من الناحية الدينية أنا كمسلم، اليهودي مثل النصراني من أهل الكتاب، حتى في هذا العصر مع اعتداءاته، لا أغير الحقائق من أجل العدوان، وفي وقت من الأوقات كان النصارى أشد علينا من اليهود (أيام الحروب الصليبية)، وكان اليهود مع المسلمين في هذا الوقت، الأولى أن نعطي كل ذي حق حقه.
الصراع مستمر، والجهاد فريضة، حتى يُسترد الحق، وتعود الأرض إلى أهلها، وكما قلت: إننا لا نطلب، ولن يطالبنا الله -عز وجل- أن يكون عندنا ترسانة نووية، إنما أن نعد لهم ما استطعنا، ونجاهد بما نقدر عليه، وألا نسلم أبدًا مهما كان، فهذا واجبنا، ونحن نعتقد أننا أصحاب الحق، وصاحب الحق في النهاية لا بد أن ينتصر: "دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة"، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [سورة الأنبياء: 18]، (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [سورة الإسراء: 81].
وأعتقد أن النصر لنا إن شاء الله، فعندنا البشائر من القرآن والسنة والواقع والتاريخ وسنن الله -عز وجل- حتى اليهود عندهم هذا، فبعض الفلسطينيين قالوا لموشى ديان: إن عندنا بشائر أننا سننتصر ونستعيد فلسطين، فرد عليه: ونحن عندنا هذا، ولكن ليس هذا الجيل الذي سينتصر علينا...
إنه جيل الصحوة إن شاء الله، الذي رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولاً ونبيًّا، ووضع روحه في يديه ورأسه على كفه، ويجعل من نفسه قنبلة موقوتة يقذف بها العدو. هذا هو الجيل المنشود - إن شاء الله - والذي سميته "جيل النصر المنشود".
والله تعالى أعلى وأعلم