الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
315 - رقم الاستشارة : 655
11/01/2025
لعلكم تتابعون ما يحدث من الحرائق في امريكا وقد انقسم المسلمون فريقين تجاه ما يحدث في هذه البلاد الكثير فرح مسرور ويبرر فرحه بأن هذا جزاء عادل من رب العالمين على ما اقترفت امريكا وما زالت في فلسطين والعراق وأفغانستان وكثير من بلاد العالم، والبعض يستنكر الشماتة ويقول بنعم مسلمون أو أناس عادييون لا دخل لهم فيما يحدث من حكوماتهم وقد يكون منهم من ينكر بأعلى صوته ما يحدث في فلسطين وغيره، ما موقف الشرع من هذه المسالة أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيرا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فقد اختلف الفقهاء المعاصرون حول هذه المسألة، فمنعها بعضهم ولهم أدلتهم، وأجازه البعض ولهم أدلتهم، وما نرجحه للفتوى في هذه المسألة هو جواز الفرح والشماتة بالظالمين، وما يحدث لهم من مصائب، خاصة وإن كان ما وقع بهم سيمنع الظلم عن المسلمين أو يقلله، وقد سجّل لنا القرآن الكريم فرح المسلمين بهزيمة الفرس الوثنيين أمام الروم أهل الكتاب ولم ينكر عليهم بل تنبأ به بفرحهم قبل وقوعه وأثنى عليه، يقول الله تعالى: ﴿... وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 4- 5).
والفرح بما حدث من أعاصير محرقة في أمريكا ليس فرحًا في الشعب الأمريكي الذي يكون فيه المسلم والكافر والبر والفاجر، ولكنه فرح بعجز هذه الحكومات الفاجرة التي أحرقت اليابس والأخضر وأهلكت الحرث والنسل في كل مكان ثم تقف عاجزة أمام قدرة الله تعالى عليها.
والشَّمَاتَةُ هي الْفَرح بما يصيب العدو من المكروه، يقال: شَمِتَ بِهِ يَشْمَتُ إذَا فَرِحَ بِمُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِهِ، وَأَشْمَتَ اللَّهُ بِهِ الْعَدُوَّ، ومنه قول الله تعالى حكاية عن سيدنا هاون عليه السلام: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ﴾ (الأعراف: 150).
قال الطاهر بن عاشور: الشَّمَاتَةُ: سُرُورُ النَّفْسِ بِمَا يُصِيبُ غَيْرَهَا مِنَ الْأَضْرَارِ
أما الذين منعوا الشماتة فقد استدلوا بأدلة من السنة نذكر منها:
- ما رواه البخاري بسنده عَنْ السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا».
- ما رواه أبو داود وغيره عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ، وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ»
- ما ورد عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ».
أما الذين أجازوا فقد ردوا على هذه الأحاديث بأنها أحاديث عامة وردت في عموم المسلمين، أو غيرهم ولكنها خصصت بأحاديث أخرى، والخاص يقدم على العام.
واستدلوا على الجواز بما يلي:
- يقول الله تعالى حكاية عن فرعون وقومه: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ (الدخان: 29). وللمفسرين أقوال في هذه الآية، منها أن السموات والأرض لا تبكي على هلاك الظالمين بل تفرح بهلاكهم، ومنها أن المراد أهل السموات وأهل الأرض من الصالحين يفرحون بهلاك الظالمين.
- عموم قول الله تعالى: ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ (التوبة: 14).
- عموم قول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ (يونس: 58).
- ما ورد عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ».
- ما ورد عن أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَجَبَتْ» ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ».
- إجماع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياءً وأمواتًا، ومثلهم الذي غلب عليه الفسق، يجوز ذكر فسقه تحذيرًا من حاله وتنفيرًا عن فعله، وهو من هذا الباب.
- ما ورد عن السلف الصالح رضي الله عنهم أنهم كانوا يفرحون بهلاك الظلمة فمن ذلك:
- ما ورد أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه سجد شكرًا حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب.
- ما ورد أن عليًّا ابن أبي طالب رضي الله عنه سجد شكرًا لله تعالى لمقتل المخدَّج الخارجي لما رآه في القتلى في محاربته للخوارج.
- ما ورد عن علي بن زيد بن جدعان، قال: أخبرت الحسن، بموت الحجاج فسجد وقال: «اللهم عقيرك وأنت قتلته فاقطع سنته وأرحنا من سنته وأعماله الخبيثة ودعا عليه».
- ما ورد عن حماد قال: بشرت إبراهيم بموت الحجاج فسجد. قال حماد: ما كنت أرى أن أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيت إبراهيم يبكي من الفرح، وقد روي نحو هذا الصنيع عن جماعة من أكابر التابعين كالحسن البصري إبراهيم النخعي، وطاووس بن كيسان، وأبي عمرو بن العلاء، وعمر بن عبد العزيز أنهم فرحوا أشد الفرح حين بلغهم موت الحجاج بن يوسف الثقفي.
- وقال الخلال: قيل لأبي عبد الله: - أحمد بن حنبل- الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد، عليه في ذلك إثم؟، قال: «ومن لا يفرح بهذا؟»، وكان ابن أبي دؤاد من أكابر المعتزلة، ومن رؤوس فتنة القول بخلق القرآن.
- ومن أراد الاستزادة في هذه المسألة فليرجع إلى بحث الزميل الأستاذ الدكتور أحمد فتحي بعنوان: حكم الشماتة بهلاك الظالمين وأعوانهم دراسة فقهية مقارنة، وقد نشر البحث في مجلة كلية الشريعة والقانون المُحكمة.
وهذا الخلاف ورد في هلاك الظالم المسلم، أما الكافر المحارب، فلا أظن أن أحدًا من الفقهاء اختلف حول هذا.
وفي واقعة السؤال إذا كان من بين هؤلاء أحد من المسلمين وهم بالتأكيد قليل فإن الحكم للأغلب وهؤلاء المسلمون يحشروا على نياتهم، فيما رواه الشيخان عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِاللهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» (متفق عليه، هذا لفظ البخاري).
والله تعالى أعلى وأعلم