Consultation Image

الإستشارة 28/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، استشهد شقيقي وعليه ديون، ولعلمي ببعض كرامات الشهيد من الله -تعالى- ذلك جعلني لا أعمل على سداد دينه، أو حتى أطلب من صاحب الدين أن يسامحه، لكن صراحة استغربت أن البعض نبهني أنه يجب سداد ديون شقيقي، فهل الشهادة لا تسقط الديون عن الشهيد؟ أفتوني بذلك، وبارك الله فيكم.

الإجابة 28/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أسأل الله -تعالى- أن يتقبل شهيدكم ويجعله شفيعًا لكم يوم القيامة، ويرزقكم الصبر الجميل، ولا يفتنكم من بعده.

 

جزاك الله -سبحانه وتعالى- خيرًا لثقتك بموقع "استشارات"، وأسأله -تعالى- أن يلهمني الرشاد إلى قول الحق.

 

بالله أستعين، فلا حول لي ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لقد كرّم الرحمن الرحيم الشهداء بكرامات كثيرة ما نعلمها وما لا نعلمها لعظم الشهادة في سبيله، حيث يقول -تعالى- في كتابه العزيز: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169-171].

 

وحال النظر إلى القواعد الفقهية وخاصة الشهيرة منها في الشريعة الإسلامية نجد أن (حقوق العباد مبنية على المشاحة والمطالبة)، ويرجع ذلك إلى حاجة الناس إليها، وبالتالي فإنها لا تسقط إلا بإسقاط أصحابها لها أو الإيفاء بها، وهذا الأمر ينطبق على الجميع، أي أنه لا يختلف مع الإنسان كونه شهيدًا أو غير شهيد؛ نظرًا لأن الحقوق تعلقت في حق العباد، وبذلك فإن الديون التي تكون على الشهيد حالها مثل الديون التي تكون على أي إنسان آخر.

 

والسؤال الذي يتبادر في الذهن والذي يتعلق بالآلية التي من خلالها يمكن سداد هذا الدين حتى يتم إبراء ذمة الشهيد؟

 

الجواب يتطلب أولًا النظر فيما ترك الشهيد من مال، بحيث يُقضى من التركة ديونه التي عليه، ويتم كذلك تنفيذ وصاياه التي توافق الشرع إن وجدت.

 

وفي حال أن الشهيد لم يترك مالاً، في هذه الحالة ينظر إن كان له راتب يجري بعد وفاته فإنه يجب السداد من هذا الراتب.

 

وفي حال عدم وجود مال أو راتب يجري بعد استشهاده فإنه في هذه الحالة يستحب أن يتبرع أحد من أقاربه أو أصدقائه ومعارفه بسدادها، وإن تعذر كل ما سبق فإنه يتم الطلب من أصحاب هذه الديون إما مسامحة الشهيد من أجل أن يتم إبراء ذمته، أو الانتظار لحين القدرة على سدادها.

 

وبذلك يجب على أهالي الشهيد الاهتمام بهذه المسألة المهمة جدًّا، فالكرامة والمنزلة العظيمة التي أكرم الله تعالى بها الشهيد لا تعني مطلقًا سقوط الديون التي عليه، وهذا من عدل وعظمة الشريعة الإسلامية التي حرصت على الحفاظ على حقوق العباد.

 

وبالوقت ذاته أهمس في قلوب أصحاب الديون أن ينظروا للأمر بالرحمة لأهالي الشهداء، خاصة أن ما أصابهم كبير، فإن كان هنالك مقدور للمسامحة بهذه الديون فبادروا بذلك، فلكم الأجر العظيم عند الله -تعالى- خاصة إن كان أهالي الشهداء من الفقراء الذين لا يملكون سداد هذه الديون، فكونوا أنتم أصحاب القلوب الكبيرة التي تحتضنهم بالمسامحة حتى لا تشغل ذمة الشهيد، وتذكروا قوله -تعالى-: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:280].

 

 وفي ذلك اقتداء بقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُظِلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ فَلْيُنْظِرْ مُعْسِرًا، أَوْ لِيَضَعْ لَهُ"، فما بالك إن كان الأمر يتعلق بالشهيد فمن باب أولى إما الانتظار حتى يتم أهله السداد عنه أو المسامحة وهي خير، والله أعلى وأعلم... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الرابط المختصر :