23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 03/02/2025

أصدر مجمع الكرادلة الكاثوليك في مقر البابوية في الفاتيكان قرارًًا يتضمن تبرئة اليهود من دم المسيح وصلبه، وقامت ضجة في العالم العربي والإسلامي حول هذا القرار؛ لما له من مغزى سياسي، فهل يعد هذا القرار مخالفًا لوجهة النظر الإسلامية التي لا تعترف بصلب المسيح، وتقول: إن الله رفعه إليه؟ وهل يؤخذ اليهود المعاصرون بذنب أسلافهم؟

الإجابة 03/02/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالذي حدث من مجمع الكرادلة خطيئة كبرى في حق المسيح عليه السلام وحق المسيحية، واليهود عليهم لعائن الله تعالى إن كان قد فشلوا في قتل المسيح عليه السلام حسب عقيدة المسلمين التي يؤكدها القرآن الكريم والسنة والمطهرة؛ لكنهم قصدوا ذلك وخططوا له، ويعتقدونه حتى الآن، وإن كانوا فشلوا في قتل المسيح فقد قتلوا غيره من الأنبياء عليهم والسلام وخاضوا في أعراضهم ودينهم.

 

يقول العلامة الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي - رحمه الله-:

 

يعتقد المسلمون أن المسيح - عليه السلام - لم يُقتَل ولم يُصلَب، كما هو صريح القرآن الكريم، ولكن هذا لا ينفي مسئولية اليهود التاريخية في محاولة القتل والترتيب له والمعاونة عليه، فهم إن لم يقتلوا المسيح بالفعل، فقد قتلوه بالنية والاعتقاد والاعتراف، وهذا ما سجله القرآن الكريم عليهم ضمن سلسلة جرائمهم المتواترة مع الأنبياء من عهد موسى منقذهم إلى عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً. وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا. وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُم..) [النساء: 155 – 157]. ومعنى "شُبِّهَ لهم" أنهم رأوا شبهه، فظنوه إياه، فقتلوه.

 

فجريمة القتل التي يتحمل اليهود القسط الأكبر منها، إن لم تقع على المسيح نفسه، فقد وقعت على من اعتقدوا هم أنه المسيح، والأعمال بالنيات، وحسبنا أنهم اعترفوا بذلك، وتبجحوا به كما ذكر القرآن الكريم.

 

وإذا كان اليهود لم يقتلوا المسيح فعلا، فقد قتلوا من قبله نبي الله زكريا، وابنه السيد الحصور يحيى، وغيرهما من النبيين والصديقين، وقال القرآن مخاطبًا لهم: (أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون) [البقرة: 87].

 

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِين) [آل عمران: 21 – 22].

 

وقال سبحانه في شأن بني إسرائيل: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [البقرة: 61].

 

واليهود المعاصرون يتحملون نصيبًا من المسئولية مع أسلافهم في جرائم العصيان والاعتداء وقتل الأنبياء بغير حق، وذلك لأنهم راضون عن هذه الجرائم، وحامدون لأسلافهم عليها، فهم شركاؤهم فيها، إلا إذا أعلنوا البراءة منها وسخطهم عليها وذمهم لمن اقترفها، وهيهات! ومن أجل ذلك دمغ القرآن اليهود المعاصرين للنبي - صلى الله عليه وسلم - بجرائم آبائهم، فقال تعالى: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُون) [البقرة: 51]، (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ..) [البقرة: 55 – 57].

 

ومن المعلوم أن اليهود المعاصرين للنبي لم يتخذوا العجل، ولم يقولوا لموسى ما قالوا، ولكن رضاهم عن أسلافهم وتمجدهم بهم جعلهم شركاء لهم. ومثل ذلك قوله تعالى: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [البقرة: 91].

 

إن اليهود المعاصرين مدفوعون بجرائم أسلافهم، وما أشبهها، ولكنهم أضافوا إليها على مر العصور جرائم وجرائم تنفطر من قسوتها القلوب، يكفينا أن نذكر منها ما اقترفوه في الأرض المقدسة من أعمال وحشية مع الشيوخ والنساء والصبيان.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.