الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
43 - رقم الاستشارة : 834
30/01/2025
السؤال: قد يحدث في بعض الشهور أن صيام الثلاثة أيام البيض يوافق يوم الجمعة والسبت والأحد وهي أيام يكره الصيام فيها، فهل يجوز لنا صيامها؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلا مانع من صيام الأيام البيض ـ وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ـ إذا وافقت أيام الجمعة والسبت والأحد وهي أيام كره فيها الصوم؛ لأن الكراهة هنا مرتبطة بإفرادها بالصيام، كأن يصوم المسلم يوم الجمعة منفردًا، أو السبت، منفردًا، أو الأحد منفردًا، فإن صامها جميعًا فلا كراهة، كما ينصرف النهي هنا إلى التطوع المطلق الذي لا سبب له، ولا يوافق صيام سنة أخرى كصيام يوم عرفة أو التاسع والعاشر من شهر المحرم أو غيره.
وصيام الثلاثة أيام البيض من السنن التي اتفق الفقهاء على صيامها، ويرى الحنفية والشافعية والحنابلة أنها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي - سميت بذلك لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها - لما رواه الترمذي بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة".
قال الشافعية: والأحوط صوم الثاني عشر معها - أيضًا - للخروج من خلاف من قال: إنه أول الثلاثة، ويستثنى ثالث عشر ذي الحجة فلا يجوز صومه لكونه من أيام التشريق . فيبدل بالسادس عشر منه.
وذهب المالكية إلى كراهة صوم الأيام البيض، فرارًا من التحديد، ومخافة اعتقاد وجوبها إنما كره مالك صومها لسرعة أخذ الناس بقوله، فيظن الجاهل وجوبها. وقد روي أن مالكًا كان يصومها، وحض مالك - أيضًا - الرشيد على صيامها.
صيام يوم الجمعة منفردًا
لا بأس عند الحنفية بصوم يوم الجمعة بانفراده، وهو قول أبي حنيفة ومحمد ويندب عند المالكية، لما روي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه كان يصومه ولا يفطر. وقال أبو يوسف: جاء حديث في كراهته إلا أن يصوم قبله وبعده، فكان الاحتياط أن يضم إليه يومًا آخر، قال ابن عابدين: ثبت بالسنة طلبه والنهي عنه، والآخر منهما النهي؛ لأن فيه وظائف، فلعله إذا صام ضعف عن فعلها.
ومحل النهي عند المالكية هو مخافة فرضيته، وقد انتفت هذه العلة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم، لما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله أو بعده"، وليتقوى بفطره على الوظائف المطلوبة فيه، أو لئلا يبالغ في تعظيمه كاليهود في السبت، ولئلا يعتقد وجوبه، ولأنه يوم عيد وطعام.
صيام يوم السبت منفردًا
وصيام يوم السبت منفردًا متفق على كراهته لما رواه الترمذي وحسّنه بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه".
ووجه الكراهة أنه يوم تعظمه اليهود؛ ففي إفراده بالصوم تشبه بهم، إلا أن يوافق صومه بخصوصه يومًا اعتاد صومه، كيوم عرفة أو عاشوراء.
صيام يوم الأحد منفردًا
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن تعمد صوم يوم الأحد بخصوصه مكروه، إلا إذا وافق يوما كان يصومه، واستظهر ابن عابدين أن صوم السبت والأحد معًا ليس فيه تشبه باليهود والنصارى؛ لأنه لم تتفق طائفة منهم على تعظيمهما، كما لو صام الأحد مع الاثنين، فإنه تزول الكراهة، ويستظهر من نص الحنابلة أنه يكره صيام كل عيد لليهود والنصارى أو يوم يفردونه بالتعظيم إلا أن يوافق عادة للصائم.
ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن النهي لا ينصرف إلى هذه الأيام مجتمعة، كما لا يشمل الصوم الذي له سبب.
والله تعالى أعلى وأعلم