23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 29/01/2025

تحدثت وسائل الإعلام عن ظاهرة جديدة تحدث في الحرم المكي ، وهي أن بعض الأشخاص يقومون بحجز أماكن مميزة ثم بيعها لمن يأتي متأخرا بعد أن يدفع لهم مبلغا من المال ، قد يصل في بعض الأوقات إلى 300 دولار فما موقف الشريعة الإسلامية من هذا التصرف؟

الإجابة 29/01/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فلا يجوز حيازة هذا الفضل الكبير في الصلاة في الصفوف الأولى في الحرم ولا غيره عن طريق المال وتضييع الفرص على من سبق إلى الصفوف الأولى.

 

وقد اتفق الفقهاء على أن أفضل صفوف الرجال - سواء كانوا يصلون وحدهم أو مع غيرهم من الصبيان والنساء - هو الصف الأول، ثم الذي يليه، ثم الأقرب فالأقرب، وكذا أفضل صفوف النساء إذا لم يكن معهن رجال.

 

أما النساء مع الرجال فأفضل صفوفهن آخرها؛ لأن ذلك أليق وأستر، روى مسلم بسنده عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها".

 

وروى البخاري بسنده عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا".

 

والحكمة في ذلك متعددة، منها: المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد؛ والفرار من مشابهة المنافقين، والقرب من الإمام؛ واستماع قراءته والتعلم منه والفتح عليه والتبليغ عنه ومشاهدة أحواله، والسلامة من اختراق المارة بين يديه؛ وسلامة البال من رؤية من يكون أمامه وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين؛ والتعرض لصلاة الله وملائكته، ودعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وغير ذلك. أ.هـ باختصار وتصرف من الموسوعة الفقهية الكويتية.

 

وما ذُكر من فضل وحكمة لا يتحقق في هذا التصرف، وهو حجز أماكن للقادرين ماديًّا بحيث يتعرضون لهذا الفضل، ويُحرم غيرهم من الأجر، فهذا ينمي خلق التواكل، ويبعث على ضعف الهمم، ويحرم الفقير من تمام الأجر.

 

إن بعض الناس يريدون أن ينقلوا الأعراف الخاطئة، والعادات السيئة من أحكام الدنيا التي أفسدها الناس بالظلم والمحاباة، والصعود على أكتاف الآخرين، يريدون نقل ذلك كله إلى أحكام الله تعالى العادلة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.

 

لقد تعودنا أن نرى القادرين لهم كل شيء بأموالهم تُقضى لهم الحاجات، وتُقبل منهم الشفاعات، ويأخذون حقوقهم وحقوق الآخرين عن طريق الرشاوى والعطاءات.

 

أما عند الله فالامتيازات والاستثناءات تكون للضعيف والفقير؛ فالمريض والشيخ الكبير ومن في حكمهم لا يجب عليهم الصيام، والفقير لا يجب عليه الحج ولا الزكاة، والمسافر والخائف يقصر الصلاة، بخلاف الأقوياء والأغنياء فعليهم التكاليف كاملة.

 

وحق المسلم الذي أتى مبكرًا أـن يجلس في الصف الأول أو المكان المتميز، ولا يجوز لصاحب هذا الحق الذي وصل إلى المسجد مبكرًا ونال شرف الجلوس في الصف الأول أن يتنازل عن هذا الحق لغيره سواء بمقابل أو بغيره؛ لأن الإيثار بالقرب والطاعات لا يجوز وهو دائرة بين الكراهة والتحريم.

 

وعلينا ألا ننسى أن الذي سيعطي هذا الأجر هو الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى، فعجبًا ممن يأتي متأخرًا ويتخطى الرقاب ويؤذي الناس ويدفع المال بغير حق ليصل إلى ما ليس حقًّا له، وهو بذلك يطلب الأجر والثواب من الله.

 

إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وما عند الله لا يُطلب بمعصيته، وبالتالي نؤكد أن هذا العمل غير جائز لمن يدفع المال ولا لمن يأخذه.

 

وعلى ولي الأمر أو من ينوب عنه أن يتصدى لهذا العمل الذي ينطوي على الجهل والطمع، وإلباس الباطل ثوب الحق.