Consultation Image

الإستشارة 13/03/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، انا شاب متزوج منذ سنتين وعندي طلفه عمرها 11شهرا وبيني وبين زوجتي خلافات عميقة لكثرة اهمالها وعدم خبرتها بأمور البيت وتربية الأولاد واتفقنا على الطلاق لكنها الان حامل في الاسبوع الثاني من الشهر الثاني ، ونريد اجهاض الجنين حتى لا يكون ضحية للطلاق، فهل يجوز ذلك

الإجابة 13/03/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح ذات بينكم، وأن يؤلف بين قلوبكم، ونوصيك بعدم التسرع في الطلاق، عملا بقول الله تعالى: ﴿... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19].

 

وعليك بالأخذ بكل أسباب الصلح قبل أن تأخذ هذا القرار، أما عن حكم الإجهاض قبل الأربعين يوما الأولى فقد اختلف حوله الفقهاء، وما أرجحه وأفتي به هو الحرمة، لكن يمكنك تقليد من أفتى بالجواز، ولعل وجود الطفل الثاني يثبت العلاقة بينك وبين زوجك ﴿...لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: 1].

 

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله - في فتوى مطولة (بحث صغير) أنقل لك جزء منها:

 

من واجب الفقيه المسلم أن يقف أمام هذه القضايا المعروضة، ليقرر عدة حقائق أهمها:

 

أن حياة الجنين في نظر الشريعة الإسلامية حياة محترمة، باعتباره كائنًا حيًّا يجب المحافظة عليه، حتى إن الشريعة تجيز للحامل أن تفطر في رمضان، وقد توجب ذلك عليها، إذا خافت على حملها من الصيام.. ومن هنا حرمت الشريعة الاعتداء عليه، ولو كان الاعتداء من أبويه، بل ولو جاء ذلك من أمه التي حملته وهنا على وهن.

 

حتى في حالة الحمل الحرام ما جاء عن طريق الزنى لا يجوز لها أن تسقطه، لأنه كائن إنساني حي لا ذنب له (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الإسراء: 15].

 

وقد رأينا الشرع يوجب تأخير القصاص من المرأة الحامل المحكوم عليها بالقصاص، ومثلها المحكوم عليها بالرجم حفاظًا على جنينها، كما في قصة الغامدية المروية في الصحيح؛ لأن الشرع جعل لولى الأمر سبيلا عليها ولم يجعل له سبيلا على ما في بطنها.

 

كما رأينا الشريعة توجب دية كاملة على من ضرب بطن امرأة حامل، فألقت جنينا حيًّا، ثم مات من الضربة، نقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على ذلك. (انظر: المغنى مع الشرح الكبير 9 / 550). وإن نزل ميتًا ففيه غرة، وتقدر بنصف عشر الدية.

 

كما رأيناها تفرض على الضارب مع الدية أو الغرة كفارة، وهى: تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، بل تفرضها هنا سواء كان الجنين حيًّا أو ميتًا.

 

قال ابن قدامة: هذا قول أكثر أهل العلم، ويروى ذلك عن عمر رضى الله عنه.

 

واستدلوا بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء: 92].

 

قالوا: وإذا شربت الحامل دواء، فألقت به جنينًا، فعليها غرة، لا ترث منها شيئًا، وعليها عتق رقبة. وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها، فلزمها ضمانه بالغرة، ولا ترث منها شيئًا، لأن القاتل لا يرث المقتول، وتكون الغرة لسائر ورثته. وأما عتق الرقبة فهو كفارة لجنايتها.

 

وكذلك لو كان المسقط للجنين أباه، فعليه غرة لا يرث منها شيئًا، ويعتق رقبة (المغني مع الشرح الكبير 6 / 556، 557)، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين توبة من الله.

 

وأكثر من ذلك ما قاله ابن حزم في "المحلى" في قتل الجنين بعد نفخ الروح فيه أي بعد مائة وعشرين ليلة، كما صح بذلك الحديث، فهو يعتبره جناية قتل عمد كاملة موجبة لكل آثارها من القصاص وغيره قال:

 

(فإن قال قائل: فما تقولون فيمن تعمدت قتل جنينها وقد تجاوزت مائة ليلة وعشرين ليلة بيقين فقتلته، أو تعمد أجنبي قتله في بطنها فقتله، فمن قولنا: أن القود يعني القصاص واجب في ذلك ولا بد، ولا غرة في ذلك حينئذ، إلا أن يعفى عنه، فتجب الغرة فقط، لأنها دية، ولا كفارة في ذلك، لأنه عمد، وإنما وجب القود، لأنه قاتل نفس مؤمنة عمدًا، فهو نفس بنفس، وأهله بين خيرتين: إما القود، وإما الدية، أو المفاداة، كما حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن قتل مؤمنًا، وبالله تعالى التوفيق).

 

وقال ابن حزم فيمن شربت دواء فأسقطت حملها:

 

(إن كان لم ينفخ فيه الروح فالغرة عليها، وإن كان قد نفخ فيه الروح فإن كانت لم تعمد قتله فالغرة أيضًا على عاقلتها، والكفارة عليها، وإن كانت عمدت قتله فالقود عليها أو المفاداة في مالها). (المحلى جـ 11).

 

وابن حزم يعتبر الجنين إذا نفخت فيه الروح شخصًا من الناس، حتى إنه يوجب إخراج زكاة الفطر عنه، أما الحنابلة فيرون ذلك مستحبًا لا واجبًا.

 

وهذا كله يرينا إلى أي حد تهتم الشريعة بالجنين، وتأكيد حرمته، وخصوصًا بعد المرحلة التي جاء الحديث بتسميتها مرحلة "النفخ في الروح"، وهذا من أمور الغيب، التي نسلم بها إذ صح بها النص، ولا نطيل البحث في كنهها (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85].

 

وأحسب أن ذلك شيء غير مجرد الحياة الحيوانية المعهودة، وإن فهم ذلك الشراح والفقهاء، فالحقيقة التي أثبتها العلم الآن بيقين: أن الحياة أسبق من ذلك. ولكن لعلها دون الحياة الإنسانية التي عبر عنها الحديث بــ "النفخ في الروح" وإليها الإشارة بقوله تعالى: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) [السجدة: 9].

 

على أن من الأحاديث الصحاح ما خالف حديث ابن مسعود الذي ذكر فيه إرسال الملك لنفخ الروح بعد ثلاث أربعينات.

 

فقد روى مسلم في صحيحه حديث حذيفة بن أسيد قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكًا، فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب، أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك. ثم يقول: يا رب، رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص". (رواه مسلم في: كتاب القدر من صحيحه "باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه"، حديث 2645).

 

فهذا الحديث جعل بعث الملك وتصويره للنطفة بعد ستة أسابيع اثنتين وأربعين ليلة، العجيب أن علم الأجنة والتشريح بعد تقدمهما اليوم يثبتان أن الجنين بعد هذه المدة (42 ليلة) يدخل مرحلة جديدة ونشأة أخرى، لا بعد مائة وعشرين ليلة، كما في حديث ابن مسعود المعروف، وجمع بعض العلماء بين الحديثين باحتمال تعدد إرسال الملك، فمرة في ابتداء الأربعين الثانية، وأخرى في انتهاء الأربعين الثالثة لنفخ الروح (فتح الباري 14 /284، ط. الحلبي).

 

ومن هنا أجمع فقهاء المسلمين على حرمة إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه، لم يخالف في ذلك أحد من السلف أو الخلف. (فهم بعض الشافعية كما في حاشية الشرواني على ابن قاسم 9/41 أن أبا حنيفة يجيز الإجهاض بعد نفخ الروح، وهو غلط عليه وعلى مذهبه بيقين. وكتب المذهب الحنفي حافلة بما يخالف ذلك).

 

أما مرحلة ما قبل نفخ الروح، فمن الفقهاء من أجاز الإجهاض حينئذ إذا دعت إليه حاجة، على اعتبار أن الحياة لم تدب فيه بعد، فهو في نظرهم مجرد سائل، أو علقة من دم، أو مضغة من لحم!

 

ويقول بعض إخواننا من علماء الطب والتشريح تعليقًا على أقوال من أجازوا من الفقهاء إسقاط الجنين قبل نفخ الروح: إن هذا الحكم من هؤلاء العلماء الأجلاء مبني على معارف زمنهم.

 

ولو عرف هؤلاء ما عرفنا من حقائق علم الأجنة اليوم عن هذا الكائن الحي المتميز، الذي يحمل خصائص أبويه وأسرته وفصيلته ونوعه، لغيروا حكمهم وفتواهم، تبعًا لتغير العلة، فإن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

 

ومن لطف الله بعباده أن علماء الأجنة والتشريح أنفسهم اختلفوا كما اختلف الفقهاء في تقييم حياة الجنين في مراحله الأولى: قبل الـ 42 يومًا وقبل الـ 120 يومًا، وكان اختلافهم هذا مؤيدًا قويًا لاختلاف الفقهاء في جنين ما قبل الأربعين وما قبل الأربعينات الثلاثة، ولعل هذا من رحمة الله بالناس ليظل للأعذار والضرورات الحقيقية موضعها...

 

والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم

الرابط المختصر :