الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
92 - رقم الاستشارة : 2859
02/10/2025
هل أثرت المادية على مفهوم الشكر عند الإنسان المعاصر فأصبحت معايير الشكر عنده مرتبطة بالمال؟ وهل انغمست روحه في المادة فلم يعد يرى لله فضلا عليه؟
أخي الكريم، تغلغلت المادية في حياة الإنسان وذاته وأحدثت تحولات جذرية في تفكيره وتقييمه للأمور وطريقة حياته وعلاقاته، فمعايير المادية نابعة من المادة التي لا قلب لها ولا ضمير ولا ذاكرة.
ركائز المادية
المادية أحدثت تغييرات في مفاهيم إنسانية وأخلاقية كبرى ومنها الشكر والامتنان، وهو شعور يفيض من قلب الإنسان تجاه خالقه ثم تجاه كل إنسان قدّم له معروفًا، فيشعر بالامتنان نحوه.
حدد باحثون أن للمادية ثلاث ركائز هي:
* المركزية: ويقصد بها أن تصبح الأشياء المادية والممتلكات مركزية في تفكير الإنسان ووجدانه ويصبح استهلاك السلع المادية هدفًا في حد ذاته.
* السعادة: وتعني أن تكون الأشياء المادية هي ما يحقق السعادة والرضا والرفاهية النفسية للفرد، وكذلك فإن غيابها يجلب التعاسة والشقاء.
* النجاح: ويعني أن تصبح المادية هي معيار النجاح في الحياة، من خلال كمية ونوعية الممتلكات المتراكمة، باعتبارها هي ما تبرز صورة الإنسان المرغوبة أمام ذاته وأمام الآخرين.
الشكر ومقاومة المادية
تشير دراسات نفسية غربية إلى وجود مشاعر الامتنان في نفس الإنسان لها قدرة على مقاومة النزعة المادية في النفس، وحقيقة والشكر والامتنان تتجاوز كلمات الشكر العادية؛ لأنه نابع من النفس، وهذه المشاعر لها تأثيرها على رؤية الإنسان للوجود كما لها تأثيرها على علاقاته.
ويشير علماء الاجتماع إلى أن الشكر والامتنان له تأثيره في تقوية العلاقات الاجتماعية، واستدامة المعروف بين الناس، وهذا ما أكده أحد رواد دراسات الامتنان وهو مجال في علم النفس وهو البرفيسور الأمريكي "روبرت إيمونز" من أن الامتنان أو مفهوم الشكر يتعارض مع العقل المادي، والسبب يكمن في أن الامتنان يعترف بوجود أشياء جيدة وجميلة في حياتنا.
وهنا نلاحظ أن بعض هذه الأشياء لا دخل للإنسان والعقل فيها، مثل جمال الطبيعة أو روعة البحر أو هدوء الصحراء أو نسمات الصيف الباردة، كل ذلك يفيض مشاعر الشكر والامتنان نحو من خلق هذا وأوجده، وهذه المشاعر تتحول في قلب المؤمن ولسانه إلى اعتراف بجميل الخالق سبحانه وتعالى وإبداعه، فيغمر الإنسان شعور يغسل قلبه وروحـه.
يؤكد علما النفس أن الشكر والامتنان هو أحد وجوه معرفة الخير وحب الخير، وهذا يقوي العلاقات الإنسانية ويدعمها، وهو ما أكده الاقتصادي الشهير "آدم سميث" (ت: 1790م) بأن الشكر والامتنان أحد الروابط الأساسية في المجتمعات.
لـــكن الأغـــرب هو ما اكتشفه أحد الأبحاث التي قام بها بعض علماء الأحياء على الشمبانزي، ووجد أن هذا النوع من القرود يعرف من أحسن إليه، ويشعر بالامتنان نحوه؛ بل إنه قد يرد هذا الجميل بتقديم بعض الطعام إليهم.
وفي دراسة أجريت في جامعة "بريغهام يونغ" الأمريكية أكدت أن تحفيز الشكر والامتنان يقلل المادية، ويدفع الإنسان إلى تقدير الأشياء التي منحت له في الحياة، وهذا ما يزيد من شعور الإنسان بالسعادة.
وفي دراسة ميدانية نشرت عام 2024م بعنوان "الامتنان كترياق للمادية لدى المستهلكين الشباب" ذكرت مجموعة من الحقائق حول المادية، منها ارتباطها بمشاكل الصحة النفسية كالاكتئاب والقلق والتوتر ومشاكل صحية، نظرًا لارتباط الشخص بما يمتلك، حيث تتحول الممتلكات إلى ما يشبه المعتقد المركزي عند هؤلاء الماديين، وهذا الاعتقاد عند الشباب يدفعهم إلى ممارسة ضغوط كثيفة على والديهم لدفعهم نحو تلبية حاجاتهم الاستهلاكية، وفي حال عدم قدرة الوالدين على تلبية الحاجات فإن أي شعور بالامتنان تجاه الوالدين يتلاشى إلى النقيض ويتحول إلى مشاعر الجحود ونكران الجميل.
وربما هذا ما دفع عددًا من علماء النفس والتربية إلى الدعوة إلى مواجهة المادية في نفوس الأطفال والصغار كمقدمة لمواجهة النزعة الاستهلاكية المفرطة، ومن سبل مواجهة تلك المادية هو غرس مشاعر الامتنان والشكر في نفوس الصغار تجاه والديهم ومعلميهم والآخرين وتؤكـــد الدراسة "أن الأفراد الشاكرين لا يعطون أولوية للنجاح المادي كعامل رئيسي لتحقيق السعادة، ومن ثم يصبح الشكر ترياق لعلاج المادية".
روابط ذات صلة:
لماذا نفتقد السعادة في حياتنا؟