الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
102 - رقم الاستشارة : 2636
08/09/2025
هل فعلاً الدين من أهم أسباب سعادة الإنسان أم أن تلك مقولة يروجها أهل الأديان لزيادة الأتباع؟ وهل هناك أبحاث ودراسات أكدت ذلك؟
أشكركم -أخي الكريم- على هذا السؤال الذي يلامس وجدان الكثير من البشر؛ فقضية الدين للإنسان ليست قضية عابرة أو بسيطة يمكن تخطيها بسهولة، ولكنها قضية مركزية وجوهرية، فتاريخ الإنسان لم يغب عنه الدين أبدًا.
أما بخصوص سؤالكم هل الدين قادر على إسعاد الناس؟ فالجواب المبدئي أن الدين الحق الصحيح قادر على إسعاد الناس ورسم طريق الطمأنينة لهم في الدنيا وطريق الخلاص لهم في الآخرة.
لكن تصوري أن سؤالكم يستفسر هل توجد دراسات وأبحاث ميدانية وعلمية توصلت إلى أن الدين قادر على تحقيق السعادة والطمأنينة.
تحيز ضد الدين
مع بدء الاهتمام بقضايا الاجتماع وعلم النفس والعلوم الحديثة المرتبطة بالإنسان، في نهايات القرن التاسع عشر كان غالبية العلماء المتصدرين للبحث العلمي ذوي خلفيات علمانية، فانحرفوا بالبحث والنتائج نحو الزعم أن الدين من مسببات العصاب النفسي، وقد يكون من الأسباب الكبرى لتعاسة الإنسان، فنجد –مثلاً- في العام 1897م زعم عالم الاجتماع الشهير "إميل دوركهايم" أن معدلات الانتحار في أي دولة يعتمد إلى حد كبير على ممارسات السكان الدينية، وفي العقود التي تلته زاد الحديث عن الآثار الضارة المحتملة للدين، وجاء ذلك في كتابات عالم النفس "فرويد" والفيلسوف الألماني "نيتشه" الذي شبّه الدين بأنه يشبه "عصاب الطفولة" (وهو اضطرابات نفسية تحدث في مرحلة الطفولة، مثل القلق، الاكتئاب، واضطرابات القلق الاجتماعي، وتظهر في سلوكيات مثل الأرق، البكاء، وصعوبة التعلم) حتى إن نيتشه وصف المسيحية بأنها "مرض".
الدين والرفاهية النفسية
لـــــكن في العقود الأخيرة، ومع انتشار الأزمات النفسية والروحية وتراجع الصحة النفسية أخذت اتجاهات في علم النفس تنظر للدين نظرة مختلفة وتدرك أهميته في تحقيق سعادة ورفاهية.
فعندما خفف الباحثون من تحيزهم للعلمانية عند دراستهم للعلاقة بين الدين ورفاهية الإنسان، أخذت نتائج الأبحاث تتغير، وخلال الثلاثين عامًا الأخيرة نُشر الكثير من الأبحاث والدراسات التي تؤكد دور الدين في رفاهية الإنسان، حيث يتمتع الكثير من المتدينين بصحة أفضل، وهم الأقل في الإصابة بالأمراض النفسية، وهم الأكثر قدرة على التعامل مع التوتر والقلق والأكثر كفاءة في التعامل مع صدمات الحياة وتقلباتها وإحباطاتها.
ففي دراسة لفريق بحثي برئاسة البروفسور عالم النفس الأمريكي "هارولد ج. كونيغ " بعنوان "دليل الدين والصحة" تقع في أكثر من (900) صفحة، ذكرت أن الدين له ارتباط إيجابي بالرضا والسعادة والمعنويات الجيدة، وذكر إحصاء مهم، أنه من بين (226) دراسة رجع إليها الفريق البحثي، فإن (175) دراسة أثبت العلاقة الإيجابية بين الدين والسعادة والصحة النفسية، أي أن (78%) من الدراسات تؤكد تلك الفرضية.
وذكر ذلك الكتاب أن (27) دراسة من أصل (48) دراسة تثبت وجود علاقة إيجابية بين الدين والصحة، فقد يكون الدين وقاية أو يساهم في علاج بعض الأمراض كأمراض القلب، كما أنه يخفض مرض الذهان، وهو مرض قد يسبب نوبات من الهلوسة.
تشير الدراسات إلى أن الأديان تساهم في السعادة من خلال تحسين الصحة العامة؛ فغالبية المتدينين لا يتعاطون المخدرات والخمور، كما أن غالبيتهم يبتعدون عن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
ووجدت دراسة أن التدين يسهل التعامل مع المشكلات الناجمة عن البطالة، والطريف أن دراسة أخرى أشارت إلى أن 1% من الدراسات فقط من قال بوجود علاقة سلبية بين الدين والسعادة، في حين أن غالبية الدراسات تؤكد على الارتباط بين الدين والسعادة.
وربما هذا ما أثبتته استطلاعات للرأي في الولايات المتحدة في السنوات الأخير أن نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يحضرون الشعائر الدينية عبروا عن سعادتهم ورضاهم عن الحياة.
ولعلنا نشير هنا إلى ما كتبه الفيلسوف الفرنسي "بليز باسكال" عام 1670م، بأن الدين سبب في السعادة، معتبرًا أن الدين رهان، فإذا كان وجود الله ممكنًا ولو بشكل طفيف، فإن المكاسب المحتملة هائلة -"خلود الحياة والسعادة"- لدرجة أن اتخاذ قفزة الإيمان كان الخيار المنطقي رياضيًّا.