هل هناك فارق بين القدوة والتقليد؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 74
  • رقم الاستشارة : 3074
25/10/2025

هل هناك فارق بين مفهوم ودور القدوة في الإصلاح وبين مفهوم التقليد؟ هل الأمران متشابهان أم هناك فرق بينهما؟

الإجابة 25/10/2025

أخي الكريم، لا شك أن هناك فوارق كبيرة بين القدوة والتقليد، فكلاهما ليس شيئًا واحدًا وليس لهما نتائج متشابهة، فالقدوة تشبه الِمثال الذي يُحتذى به عن وعي وإدراك، وهذا المِثال أو القدوة ذو حيثية واضحة جلية تسمح للآخرين باتخاذه قدوة لهم، أما التقليد فإنه اتباع عن غير وعي في غالب الأحيان، فهو سير في طريق ربما لا يُعرف نهايته وما هي غايته، فهو يتفقد للمبررات المنطقية والحجج العقلية.

 

القدوة واعية

 

القدوة تشير إلى النموذج الإيجابي في أغلب الأحيان، والاقتداء هو الاهتداء بالنهج أو السلوك، وهو يأتي بطريقة واعية اختيارية، فالقدوة تترك لك حرية الاختيار والتفكير، وتدفعك لتطوير شخصيتك بناءً على قيم إيجابية، وفي إطار القدوة يحتفظ الشخص بذاته، ولذلك كانت دعوة القرآن الكريم للنبي ﷺ بالاقتداء بمسيرة الأنبياء في الدعوة للتوحيد الخالص والصبر على مشاق تلك الدعوة، قال تعالى في سورة الأنعام الآية (90): ﴿أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ﴾.

 

القدوة يعرفها "ابن منظور" صاحب "لسان العرب" بقوله: "القدوة ما تسننت به"، والتسنن يعني السير على السنة أو الطريقة، وهي عملية اختيارية فيها نقد وتدبر وتفكر واقتناع.

 

والقدوة حاجة إنسانية وضرورة تربوية، وهو ما سجّله عالم التربية الأمريكي "جون هولت" في كتابه "كيف يفشل الأطفال؟" بقوله: "ليس علينا أن نجعل البشر أذكياء، فقد وُلدوا أذكياء، كل ما علينا فعله هو التوقف عن فعل الأشياء التي جعلتهم أغبياء، فالقدوة هي التي تنفخ الروح في الكلمات والمواعظ، وتجعلها حية".

 

والقدوة هو الشخص الذي نطمح أن نكونه أو نستلهم منه نهجه وسلوكه، فهي مزيج من الأفكار والتأمل وليست خيارًا وحيدًا مفروضًا بلا نقاش أو تفكير، وميزة القدوة أنها متغيرة متطورة، ففي البدايات يقتدي الشخص بأبويه ثم يتوسع الاقتداء إلى دائرة المدرسة ثم يتطور الأمر إلى الشخصيات الملهمة في المجتمع، سواء المحيط بالفرد أو المجتمع الكبير والشخصيات الشهيرة، ثم يتطور إلى الاقتداء إلى الشخصيات التي يقرأ عنها في التاريخ أو الفنون والعلوم المختلفة، أي أن العقل والتفكير يلعب دورًا متصاعدًا في تنوع القدوات.

 

التقليد آفـــة

 

أما التقليد فهو استنساخ نهج أو سلوك شخص آخر بطريقة غير واعية، وهذا التقليد قد لا يكون شعوريًّا، أو اختياريًّا أو واعيًا، أو حتى انتقائيًّا، فليس أمام الشخص بدائل ينتقي منها ما يريد للاقتداء، ولكن يجد طريقًا واحدًا لا بد أن يسلكه دون تفكير أو نقد أو مراجعة، وهو ما أكده الإمام "الجرجاني" أحد أعلام اللغة ومؤسس علم البلاغة، حيث عرف التقليد بأنه: "اتباع الإنسان غيره فيما يقول ويفعل، معتقدًا للحقيقة فيه من غير نظر وتأمل في الدليل، كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه".. فـ"التقليد عبارة عن قبول قول للغير بلا حجة ولا دليل".

 

وفي التقليد فإن الذات تذوب وربما تتلاشى لنكون أمام مرحلة أقرب للتدجين فالجميع متشابه لدرجة التطابق، والتقليد عائق أمام التقدم والتفكير الحر وكذلك عائق أمام إدارك الصواب والتمسك بالحق والخير والنفع، ولذلك جاء التقليد مذمومًا في القرآن الكريم؛ بل إن القرآن اعتبر التقليد من عوائق التفكير الكبرى الذي يجب تخطيها وكسرها وإطلاق العقل ليمارس دوره في التفكير، فالتقليد سجن، وقيد ونوع من العمى للعقل.

 

وما نراه حاليًا في المجتمعات الحديثة فإنه أغلب الشباب يميل إلى التقليد وليس إلى الاقتداء، ولعل ذلك جزء من طبيعة المجتمع الحديث الرقمي، الذي غيّر مفهوم القدوة إلى الجوانب المادية والربحية، وهذا استنساخ للروح المادية في النفوس، بعدما تم اختزال الإنسان في جانبه المادي وليس الروحي والقيمي والأخلاقي، يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: "يُلاحظ في المجتمعات العلمانية الحديثة الترويج لنماذج بشرية مختلفة يكمن وراءها نموذج الإنسان الوظيفي: أحادي البعد، الذي تم اختزاله إلى مبدأ واحد، وتم تجريده من كل خصائصه الإنسانية المركبة.. وأصبح إنسانًا وظيفيًّا يكتسب معنى وجوده من الكم الذي ينتجه من سلع".

 

روابط ذات صلة:

كيف تعثر الأمة المسلمة على مفاتيح نهضتها؟

ما العلاقة بين النبرة والفكرة في الإقناع؟

ثقافة التساؤل ودورها في بناء العقل

صدمة القدوة.. ماذا أفعل حين أرى أبي الداعية يخون أمي؟

الفجوة بين قول الداعية وسلوكه.. هل لها من علاج؟

الرابط المختصر :