هل غذت الرقمية روح التكشف والتعري؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 127
  • رقم الاستشارة : 2738
20/09/2025

لماذا تزداد روح التكشف والفضح في الواقع الافتراضي، هل هي زيادة أم الرقمية كثفت تلك المسالك في التكشف وأتاحت رؤيتها؟

الإجابة 20/09/2025

الواقع أن الرقمية ساهمت في انتشار العري وثقافة التعري والتكشف، بصورة كبيرة ونقلتها من الاقتصار على فئات وأماكن معينة لتعم غالبية العالم، في ظل امتلاك غالبية البشر لهواتف نقالة، واتصالهم المباشر بالإنترنت بلا وسيط ولا رقيب إلا قليلا، وتحول التعري إلى ثقافة تُعبر عن الحرية الفردية، وتحوله إلى المجال الربحي وتحصيل المال.

 

تغير الإدراك تجاه التعري

 

الأخطر في العلاقة بين التعري والتكشف وبين الرقمية هو التحول في إدراك أعداد ضخمة من البشر بخصوص الموقف من التعري، فلم يعد ذلك الموقف الرافض، والذي شرع قوانين تعاقب عليه باعتباره اعتداء على المجال العام، وأوجد كذلك ذوقًا وموقفًا اجتماعيًّا لا يرحب بالتعري، مُدركا لآثاره المدمرة على الإنسان باعتباره أهم موقظ للشهوة والعنف.

 

والحقيقة -أخي الكريم- أن التعري والتكشف الذي كان منحصرًا في أندية معينة، أو أماكن محددة، ويُعاقب من يمارسه خارج هذا النطاق، ففي العقود الأخير، وقبيل ظهور الثورة الرقمية، حدثت تحولات ثقافية وفكرية تجاه التعري، وهو ما تنبه إليه الروائي البريطاني قبل سبعين عامًا، محذرًا من ارتباط مفهوم الحياة العصرية بالتعري، وقال: "إن ما يميز حقًّا الحياة العصرية لم يكن قسوتها أو انعدام الطمأنينة، وإنما هو العري والانحطاط واللامبالاة".

 

وهو ما أيدته مشاهدة المفكر عبد الوهاب المسيري من أن ملابس النساء في الغرب في الستينيات من القرن الماضي كانت محتشمة إلى حد ما، وأن بعض الغربيين كان يرفض العري من الراقصات الشرقيات لأنهن يكشفن بطونهن، ويرفض العري المنتشر بين النساء في أفريقيا السوداء باعتباره رمزًا للبدائية وعدم التحضر.

 

معيارية التعري

 

مع الرقمية أصبح التعري ظاهرة ثقافية، وتمددت مساحاته عالميًّا، وأصبحت له شواطئ وجمعيات وحدائق، وأصبح له مروجوه واحتفالاته الجماعية في قلب المدن الكبرى في أستراليا وأوروبا واليابان، فانتقل من خانة الممنوع والمرفض والمُجَرم قانونًا، إلى خانة الاحتفاء والاحتفال، مُفصحًا عن معيارية تنافي الأخلاق والدين والذوق.

 

وقد تم تقديم التعري والتكشف في صور متعددة في العالم الرقمي، مثل الرقص، ونقل مهرجانات التعري، والصور التي تستحوذ على مشاهدات بمئات الملايين، وتحول الجسد الأنثوي -في أغلب الأحيان- مع التعري من الاكتفاء بالإثارة، إلى البحث عن الإبهار كجسد مثالي يجذب عالم الإعلانات والدعاية.

 

لقد تحول التعري إلى نوع من المعيارية مُطبعًا مع كل ما هو جنسي، ليضفي الجنس على غالبية الأشياء، ويتحول التعري من صورة ومشهد إلى مجال الكلمة والفعل والأدب والتسويق والموضات ومجال التنشئة الاجتماعية، وذلك المجال هو الأخطر لأنه ينزع كل قيمة وخلق رافض للتعري من نفوس الصغار، مغيبًا الاحتشام بالكامل من الحياة.

 

ولذلك نلاحظ أن الأجيال الجديد، والتي بدأت تشكل وعيها وذائقتها وقيمها مع الرقمية، التي لم تتجاوز الخمسة عشر عامًا، نجدهم أكثر تقبلاً لمشاهدة العري أو حتى إنتاجه من خلال الهواتف المحمولة واتصالهم الدائم بالعالم الافتراضي.

 

وظهرت مفاهيم جديدة في الابتزاز بالتعري أو ما يعرف بـ"الإباحية الانتقامية" حيث استخدم البعض الوسيط الرقمي لابتزاز الآخرين والانتقام منهم من خلال نشر صور عارية لهم. وكما تقول باحثة غربية "يبدو أن جسد المرأة قادر على التسبب في المشاكل، أينما وكيفما تم الكشف عنه"، وأدى التعري إلى تقليص الكثير من المعاني والدلالات الإنسانية والقيمية.

 

روابط ذات صلة:

لماذا غابت ثقافة الستر في العالم الافتراضي؟

كيف أثرت ثقافة الصورة على أخلاقنا؟

ما علاقة الرقمية بانتشار الدياثة؟

الرابط المختصر :