الخيانة.. كيف نظر لها الفكر والفلسفة؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 24
  • رقم الاستشارة : 3047
23/10/2025

كيف ناقشت الفلسفة مفهوم الخيانة حيث إن الخيانة هي تغيير للهوية وتحول في الولاء وانتماء وخدمة منظومة قيمية أخرى؟

الإجابة 23/10/2025

أخي الكريم..لا شك أن الخيانة خلق ذميم، وهو يضاد الأمانة، وقد رفضته الأديان والأخلاق على السواء، والخيانة قد تكون متجذرة في السلوكيات والنفس عند بعض الأشخاص، ولا شك أن لها تأثيرها المدمر على الشخص وعلى الهوية الوطنية.

 

الخيانة والفلسفة الأخلاقية

 

تُعرف الخيانة بأنها خرقٌ للعقود الاجتماعية والأخلاقية والسياسية، سواء كانت صريحة أو ضمنية؛ ما يُشكل انتهاكًا للثقة والأمانة.

 

والخيانة انتهاك طوعي من شخص اؤتمن، وهو ما قد يعرض سلامة المؤتمن للأخطار، ومجال الخيانة واسع ومن ذلك الإيذاء وعدم الولاء، والخداع والتضليل، والكشف عن معلومات سرية، وخيانة المسؤولية وانتهاك الأعراض.

 

وقد نظر بعض فلاسفة اليونانيين القدماء إلى الخيانة في إطار العلاقة بين الحاكم والمحكومين، فرأى أفلاطون "أن الحاكم الذي يضع مصلحته الشخصية فوق مصلحة المدينة يكون قد خان العدالة"، ومن هنا نرى أن أفلاطون قرن مفهوم الخيانة بتحقيق الحاكم لمصلحته الشخصية على حساب المصلحة العامة للمدينة الفاضلة التي كان يحلم بها، وهي المدينة التي يحكمها الفلاسفة، ولذلك رأى أن الحاكم الفيلسوف هو الأكثر عدلاً وسعادة لأنه يُوجَّه بالعقل والعدالة وليس بالشهوات والخوف.

 

أما أرسطو فرأى أن الخائن يهدم العقد الأخلاقي والسياسي الذي يربط الأفراد بممثليهم، وقد وضع اليونانيون "إلهًا" للخيانة أسموه "دولوس"، وجعلوه رمزًا للخيانة والخداع والمكر والغدر.

 

ومن هنا فالخيانة عند الكثير من الفلاسفة جرح في جدار الثقة، ولذلك اعتبرها "جون لوك" صاحب نظرية العقد الاجتماعي بأنها "كسرٌ صريح للعقد الاجتماعي، وتحويل المنتخبين إلى طغاة صغار يتلاعبون بإرادة الأمة".

 

ويذهب بعض الفلاسفة أن الثقة قد تجعل الشخص عرضة للخيانة والخذلان؛ لأن الثقة تجمع بين الاعتقاد والموقف العاطفي، حيث يسود اعتقاد في الشخص بأنه جدير بالثقة، ثم تأتي العاطفي لتسبغ على ذلك الاعتقاد نوعًا من القبول والطمأنينة، وبذا فالثقة تمنح الشخص الحاصل عليها نوعًا من الحرية في التصرف.

 

كيف نفسر الخيانة؟

 

والخيانة مشكلة فلسفية وأخلاقية وسلوكية، وغالبًا ما يكون لها عواقبها المؤلمة والمدمرة، سواء على الفرد أو الجماعة، ولعل من أكثر العبارات استمرارًا في التاريخ للتعبير عن الخيانة ما قاله يولوليوس قيصر -في مسرحية لشكبير- عندما تعرض لمؤامرة شارك فيها صديقه "بروتس" فقال حينها: "حتى أنت يا بروتس"، فالخيانة لحظة خذلان كبيرة.

 

ورغم ذلك يرى البعض أن الخيانة أمر نسبي يعتمد على معتقدات الطرفين، لكن الحقيقة أن الادعاء بنسبية الأخلاق أمر شديد الإضرار بالأخلاق.

 

تشير دراسة للاستخبارات الأمريكية إلى أن ظاهرة الانشقاق أو الخيانة ربما تتولد من خيبة الأمل وعدم الرضا أو الاكتئاب أو الهزيمة أو استجابة لأزمة حياتية ساحقة، وقالت الدراسة إنه في بعض الأحيان "يشعر الأشخاص أنهم مجبرون على الخيانة"، لكن الحقيقة تؤكد أن المصلحة خاصة الذاتية تقف وراء الكثير من مسببات الخيانة، فالحياة في كثير من الأحيان تفرض على الإنسان التضحية وتجاوز المصلحة الذاتية الضيقة وبخاصة إبان الأوقات العصيبة والحاسمة، لكن البعض لا يريد أن يدرك إلا مصلحته الذاتية وكيفية الحصول عليها حتى إن جاءت على حساب منظومته الأخلاقية والقيمية.

 

وقد وضع البعض ما يشبه القاعدة أو القانون لفهم الخيانة، وهو: "أن جميع العلاقات الوثيقة تنطوي على خطر التعرض للخيانة.. فلا يمكن أن يُخان المرء إلا من قبل شخص يثق به؛ وبالتالي فإن معظم الخيانات ترتكب من قبل أشخاص نعرفهم"، وهذا ما يفترض أن يحبس كل شخصا جانبًا من معلوماته الخاصة عن الآخرين حتى ولو كان أقرب الناس إليه.

 

وقد اهتم علم النفس الحديث بصدمة ما بعد الخيانة، حيث تؤدي الخيانة إلى صدمة نفسية عميقة لبعض الأشخاص الذين كسرت ثقتهم، واهتمت بالمجال عالمة النفس الأمريكية "جينيفر فرايد" في محاولة لفهم تأثير صدمة الخيانة على الإنسان جسديًّا ونفسيًّا، وكذلك تأثيراتها على المجتمع، ورأت أنها تخلق صراعات نفسية وأخلاقية، تشمل آثار الخيانة الصدمة، والفقد، والحزن، والانشغال المفرط، وتراجع تقدير الذات، والشك في الذات، والغضب، وغالبًا ما تُحدث تغييرات جذرية في الحياة.

 

وربما هذا ما عبّر عنه الزعيم الأمريكي المسلم "مالكوم إكس" بالقول: "بالنسبة لي، أسوأ من الموت هو الخيانة. كما ترى، أستطيع تصوّر الموت، لكنني لا أستطيع تصوّر الخيانة".

 

روابط ذات صلة:

بعد الغدر صرتُ أقدِّم «سوء الظن».. مَرَضٌ أم جراح؟

الخيانة في زمن الحرب.. كيف نحصّن الجبهة الداخلية؟

الخيانة في زمن الخوف.. عندما يُباع الشرف بثمن بخس!

الرابط المختصر :