الموضة كيف تؤثر على عقولنا؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 83
  • رقم الاستشارة : 2983
16/10/2025

أتابع مواقع التواصل الاجتماعي وألحظ كثافة في الإعلان عن الملابس والعطور بشكل مبالغ فيه خاصة مع قدوم الشتاء.. فلماذا تدعم فكرة الموضة وهل ترتبط بالإنسان الحالي الذي لا يجد متعته إلا في الاستهلاك؟

الإجابة 16/10/2025

أخي الكريم، المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي، تنهال عليه عروض الموضة في كل وقت من الفصول الأربعة، وفي جميع المناسبات، فكل مناسبة لها ملابسها ومتعلقاتها، ولكل وقت ملابسه وعطوره ومتعلقاته، وهكذا يعيش الشخص إما متابعًا لما تعرضه مواقع التواصل الاجتماعي من موضات يسعى لشرائها، أو متحسرًا على عدم القدرة على الحصول عليها.

 

قيمة الإنسان ونوع السلعة

 

تغير الموضة أفكارنا عن ذواتنا، إذ تصبح قيمة الذات تقدر بقدر اندماج الشخص في تيار الموضة، أو تقييمه وتقديره في عيون الآخرين، فكلما كان مندمجًا ومستهلكًا للموضة يعلو في أعين هؤلاء، ووصل الأمر أن يكون تقدير إنسانية الشخص بماركة الحذاء الذي يلبسه.

 

منذ سنوات ذكرت دراسة أمريكية بعنوان "الأحذية كمصدر للانطباعات الأولى" أن الحذاء الذي ينتعله الشخص يساهم في التعرف على شخصيته ووضعه الاجتماعي، الدراسة اعتمدت على الأحذية فقط كمحدد لنظرة الناس لبعضهم البعض، وكانت النتيجة مقلقة للغاية، إذ كشفت عن ترسخ القيم المادية الاستهلاكية المرتبطة بالموضات في تقييم الناس لشخصية وقيمة وتقدير الآخرين.

 

والحقيقة أن الموضة ليست أزياء وأحذية ومتعلقات شخصية، ولكنها أيضًا تصورات وأفكار، إذ ظهرت موضات في التصورات تتلاءم مع النزعات الاستهلاكية المادية، وأصبح تصور الشخص لتقييم الآخرين يتشكل من خلال الماديات والاستهلاك، ولا شك أن هذا طغيان للموضة على أفكار الإنسان المعاصر.

 

مع تقلبات الموضة الكثيرة والسريعة، تتقلب الأفكار والتصورات تبعًا لها، فالموضة تعكس المناخ الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي السائد في المجتمع، وتؤثر فيه وتحدث تغيرات في تصورات فئات معينة خاصة الشباب والمراهقين والنساء بدرجة أكبر من غيرهم، وتغير تصوراتهم وأفكارهم تجاه الحياة والاستهلاك والعلاقات.

 

هذا التغير ينتج عنه تأثيرات في عمليات الشراء والبضائع المعروضة، وهكذا فإننا ندخل أفكارنا وتصوراتنا في دائرة مغلقة تسير بقوة من الدفع الذاتي لترسيخ نمط استهلاكي، ومنظومة قيم تركز على الماديات والتقليد، لذا ليس غريبًا أن تغييب الذات والتقاليد والقيم لصالح نموذج مفروض من الخارج يعتبر نفسه هو المعيار لتقييم الناس.

 

الموضة والأفكار

 

الترويج للموضة لا يتم فقط على أنها سلع استهلاكية أو ترفيهية فقط، ولكن يجري بناء وشائج قوية بين تلك السلع وأفكار محددة، فالنمط الاستهلاكي لتلك الموضات يؤشر على تبني أفكار معينة.

 

ونشير هنا إلى أن موضة لبس الأزياء القصيرة والممزقة والتي لا تستر شيئًا، يجري تسويقها على أنها ترمز للتحرر والثقة بالنفس والتمرد على التقاليد والعصرنة، فالموضة دومًا تلتصق بأفكار، وتسعى لتغيير أفكار وإحلال أفكار أخرى مكانها.

 

الموضة لها تأثيرها على أفكارنا المرتبطة بالهوية، فالبعض ينسلخ من هويته إلى هوية أخرى مع الموضة، فيرتدي ملابس بعيدة عن ثقافته، تعبر عن توجهات مقلقة مثل من يرتدي ملابس مرتبطة بالشواذ الذين أصبحت لهم موضاتهم وألوانهم، ولا شك أن استهلاك الشخص لتلك الموضات التي تعبر عن هوية الشواذ، ستؤثر على أفكار الشخص وتصوراته حول الشذوذ والانحرافات الجنسية، وقد يتقبل ما يطرحونه من علاقات منحرفة، أو يتعاطف مع انحرافهم.

 

ومن هنا فالموضة استطاعت أن تتلاعب بعقول البعض فيما يتعلق بالهوية الجنسية، وسعت لتذويب الرفض لذلك السلوك المحرف والمضاد للفطرة.

 

وفي العالم الرقمي القادر على الوصول بالموضة إلى كل الأشخاص في كل الأماكن والأوقات، أصبحت قدرة الفرد على الإفلات من تأثيرات الموضة النفسية قليلة، وقدرته على الرفض أقل؛ لأن الموضة تحاصره بصورها الزاهية، وباستهلاك المشاهير لها، وبتحولها إلى معيار يجري تقييم الناس على أساسه.

 

ومن هنا تحولت الموضة إلى استراتيجية لبقاء الشخص واندماجه مع الآخرين، فالموضة تحولت إلى فعل نفسي يعكس رؤيتنا لذواتنا، ورغبتنا في الظهور في أعين الآخرين، وأصبح للموضة تأثيرها على مزاجنا وأفكارنا وسلوكنا، ولهذا قال البعض: "الملابس جلدنا الثاني"، وعلى هذا فالموضة هي هويتنا الخارجية وأفكارنا الصامتة.

 

روابط ذات صلة:

كيف غيرت الحداثة معايير الجمال؟

 أهمية ثقافة الستر في الإصلاح الاجتماعي

 هل هناك علاقة بين التدين والصحة النفسية؟

هــل تحتاج عقولنا إلى الأهــــداف؟

الغرب وعولمة الموضة ومواصفات الجمال

كيف انجرفت «البراندات» الإسلامية في تيار العولمة؟

الرابط المختصر :