كيف تقاوم عقولنا الكذب؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 1436
  • رقم الاستشارة : 2332
11/08/2025

إذا كانت الأكاذيب لها هذه القوة في الانتشار، وإذا كان الكذب يجد له هذا القبول والتصديق عند الكثير من الناس، فكيف تقاوم عقولنا الكذب والزيف؟

الإجابة 11/08/2025

من المهم -أخي الكريم- إدراك أن من معايير النجاح هو قدرة الفرد على بناء رؤية واضحة في القضايا الكبيرة وذات الأهمية، وذلك لا يتم إلا من خلال المعلومات الصحيحة التي تتسم بالصدق .

 

وقبل البدء في وسائل المقاومة العقلية للكذب، نلفت الانتباه -أخي الكريم- إلى أن مسألة ذات خطورة خلصت إليها بعض الدراسات الإعلامية والنفسية، وهي أن "المعلومات المضللة تؤثر على تفكيرنا حتى لو تلقينا تصحيحًا"، وجاءت هذه النتيجة بعد تحليل ما يقرب من (32) دراسة أجريت على أكثر من (6500) شخص، وتوصلت إلى أن تصحيح الأكاذيب يقلل من تأثير المعلومات المضللة، لكنه لا يزيلها تمامًا، وأن إحدى أكبر العوائق أمام تصحيح المعلومات الخاطئة هي حقيقة أن سماع الحقيقة لا يمحو الزيف من ذاكرتنا؛ بل إن الزيف وتصحيحه يتعايشان ويتنافسان على التذكر، ووجدت نتائج دراسات لتصوير الدماغ عن وجود أدلة على أن أدمغتنا تخزن كلاًّ من المعلومة المضللة الأصلية وتصحيحها".

 

ويجب أن تعلم -أخي الكريم- أن تصحيح المعلومات المضللة مهمة صعبة جدًّا، وتزداد تلك الصعوبة إذا كانت المعلومة الخاطئة مرتبطة ببعض أفكارنا أو هويتنا أو ما نؤمن بصحته، فمثلا بعض الشعوب تعتقد أن السماء تحفظها وتحميها وتحرسها، دون غيرهم من البشر، وهناك شعوب أخرى تعتقد أن السماء اختصتها بالذكاء والنباهة.

 

والحقيقة أن هذه أوهام وليست حقائق، وهي تكشف عن ذهنيات تؤمن بمقولات غير صحيحة، وفي حال انهيار جزء من ذلك الوهم فإن تلك المجتمعات تعاني من أزمات، خاصة إذا نظرت لنفسها من منظور الحقيقة لا الوهم.

 

الاستباقية: يرى بعض خبراء الإعلام أن دحض المعلومات المضللة وحده لا يكفي لمكافحة المعلومات المضللة والكاذبة، بل الواجب أن تكون هناك استباقية لمواجهة الكذب والتضليل من خلال تعويد العقل وتدريبه على التعامل مع المعلومات المضللة والكاذبة وامتلاك القدرة على اكتشافها مبكرًا، وهذا من خلال تعريفه بطريقة تزييف المعلومات وكذلك كيفية صناعة الأكاذيب والكيفية التي تُبنى بها الشائعات وتنتشر.

 

وقد قام "ستيفان ليفاندوفسكي" وهو أحد علماء النفس بجامعة بريستول البريطانية، بتجربة مهمة لتمرين العقل على التعامل مع المعلومات المضللة والكاذبة، فقام بعرض مقاطع فيديو قصيرة على ما يقرب من (30) ألف شخص من خلال عدة تجارب، وتناولت تلك المقاطع أساليب التلاعب المنتشرة في تزيف المعلومة والكذب، ومن تلك الأساليب التي عرضتها تلك المقاطع: التناقض، والازدواجية الزائفة، وإلقاء اللوم على الآخرين، والهجوم الشخصي، والتلاعب بالعواطف.

 

وسبق عرض تلك المقاطع تحذير واضح بأسلوب التضليل والتزييف الذي يحمله المقطع قبل مشاهدته، على اعتبار أن ذلك المقطع يشبه المصل الوقائي، وخلصت الدراسة إلى أن تلك المقاطع وتلك التحذيرات التي سبقتها ساهمت بشكل كبير في كشف الكذب واكتشاف أساليبه، ودفعت الأشخاص إلى التشكك فيما يتلقونه من معلومات وأخبار.

 

كسر قاعدة التكرار كمعيار للصدق: من الضروري إقناع العقل أن كثافة تكرار خبر ما أو معلومة ما يجب أن تستدعي معها الشك والحذر خاصة إذا كانت قادمة من العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي؛ فتكرار المعلومة الخاطئة أو الخبر الكاذب يخلق ما يمكن تسميته بـ"توهم الحقيقةأي يأخذ الوهم والكذب حكم الحقيقة ومنطقها، حيث يلاحظ أن تكرار الأكاذيب يضخمها ويجعل من الصعب دحضها إلا بعد جهد كبير؛ نظرًا لأن التكرار يزيد من تصورات الدقة حتى بالنسبة للمحتوى غير المعقول.

 

عدم المعقولية: يضع بعض المختصين في الإعلام هذا الشرط لمنح عقولنا قوة في مواجهة الكذب والزيف، وتشير دراسات إعلامية ونفسية إلى أن توالي التنبيهات على الناس بضرورة مراجعة المعلومات والأخبار والتأكد من صحتها، وضرورة اختبار صدقيتها، يؤدي إلى إيقاظ الوعي في تلقي الأخبار والمعلومات، فيحرص الفرد ألا تتسرب معلومة خاطئة أو مكذوبة إليه.

 

وأخيرًا -أخي الكريم- فإن مراجعة جهود المحدثين وعلماء الحديث في الحضارة الإسلامية يُشعرك بالانبهار والاندهاش من المناهج التي وضعوها لكشف الكذب والكذابين والمدلسين، وستجد أبوابًا في كتب "الجرح والتعديل" و"علم الرجال" عن طرق الكشف عن المكذبين والمدلسين.

الرابط المختصر :