الأرباح وأزمة ظهور الشخصيات في الإعلام

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 133
  • رقم الاستشارة : 2501
26/08/2025

في السنوات الأخيرة ظهرت ظاهرة اجتماعية واضحة وهي استضافة أي شخص مشهور في البرامج الرقمية أو التلفزيونية فقط بسبب شعبيته أو متابعيه، بغض النظر عن قيمة أو تأثير ما يقدمه على المجتمع.

السؤال هنا: ما المقومات الحقيقية التي يجب أن تتوافر في ضيوف البرامج خصوصًا عند مناقشة موضوعات حساسة كالأسرة والدين والعلاقات والصحة النفسية؟

ولماذا نرى أحيانًا لاعبين أو مشاهير يفتون في مواضيع تحتاج متخصصين؟

ولماذا لا يظهر مفكرون، أدباء، أطباء نفسيين وعلماء دين لتصحيح المفاهيم الخاطئة المنتشرة أونلاين؟

هدف الاستشارة: فهم هذه الظاهرة الاجتماعية وسبل التعامل معها بما يخدم المجتمع ويصون القيم والأخلاق والعلاقات.

الإجابة 26/08/2025

أخي الكريم، ربما سؤالكم يبحث عن أسباب غياب ميثاق أخلاقي يضبط ظهور الشخصيات في وسائل الإعلام، خاصة وسائل الإعلام الرسمية التي من المفترض أن تتسم بالجدية، وهل يوجد قواعد مهنية تضبط سلوكها الإعلامي وما تقدمه من محتوى.

 

وقبل مناقشة سؤالكم المهم، قد يكون من المفيد التأكيد على مجموعة من الحقائق والظواهر التي تحكم الكثير من وسائل الإعلام في الوقت الراهن، ومن ذلك:

 

* هناك انتشار واسع للغاية في وسائل الإعلام، وسهولة في الوصول إلى محتواها، كما أنها تتسم بالتنوع الشديد، فهناك التلفاز والإذاعة والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، هذا الانتشار غير المسبوق يجعل هناك استحالة في تحقيق ضبط ومعايير صارمة لظهور الشخصيات في كل تلك الوسائل، وستجد الشخصيات المحجوبة في وسيلة ما، فرصتها للظهور في وسيلة أخرى.

 

* هناك زيادة كبيرة للغاية في أعداد المستهلكين للإعلام، وقدرة كبيرة للمستهلكين على اختيار وسيلة الإعلام التي يفضلونها أو التي تنسجم مع رغباتهم وتفضيلاتهم، هذه الحقيقة جعلت المستهلك يتمتع بقدرة واضحة على فرض ذوقه وتفضيلاته في المجال الإعلام، وبالتالي في تفضيل الشخصيات التي يرغب في ظهورها أو متابعتها، وفي غالب الأحيان فإن وسائل الإعلام ترضخ لأذوق المستهلكين وتستجيب لضغوطهم، وهو ما يعني أن الشخصيات التي تظهر إعلاميًّا منسجمة في كثير من الأحيان مع الذوق العام.

 

* يلاحظ أن ما يحكم المشهد الإعلامي في غالب الأحيان هو الرغبة في الاستحواذ على المستهلكين؛ لأن هذا الاستحواذ هو ما يحقق الأرباح الكبيرة، وبالتالي فإن الربح هو الغاية النهائية لغالبية وسائل الإعلام، ومن ثم فغالب من يظهر في الوسيلة الإعلامية هو من ستُجنى من وراء ظهوره الأرباح، وهذا ما يفسر الدوافع الحقيقية الكامنة وراء ظهور شخصيات بعينها في وسائل الإعلام، وتحول هؤلاء من كونهم أشخاصًا مغمورين إلى عالم الشهرة، وما يحقق ذلك لهم من أموال.

 

ومن جانب آخر فوسائل الإعلام تختار هؤلاء الأشخاص، إما لميزة ذاتية في شخصياتهم أو لكفاءة يتمتعون بها، أو أن يكونوا ضحايا حادث نال تعاطف الجمهور أو استنكارهم، فيصبح ذلك الشخص مشهورًا لفترة محدودة، وهذا الشخص قد يكون الأسوأ، مثل بعض المجرمين أو التافهين، وليس بالضرورة أن يكون شخصًا ذا قيمة.

 

وإذا أردت أن تقترب أكثر من الشخصيات غير الجيدة التي تروجها الكثير من وسائل الإعلام، فمن المهم مراجعة كتاب "نظام التفاهة" للأكاديمي الكندي "آلان دونو" والذي أكد أن التفاهة صارت نظامًا، وأنتجت لغة ومصطلحًا تغطي على حقيقة الأشياء، ومما ذكره في الكتاب عن الإعلام، أنه من خلال الصحافة انتشرت التفاهة، وأصبحت الصحافة تتحرك بتوجيهات من مالكيها ومصالحهم، وأن ما يحركها هو الربح والمصلحة والتسويق، ولذا اهتمت بأخبار الفضائح، وأنتجت ما أسماهم الشاعر الإسباني "بيدرو ساليناس" بـ"الأميون الجدد" ووصفهم بأنهم "أولئك الذين يحومون حول أكشاك الصحافة من القراء الذين يتشممون الفضائح، وهؤلاء لا يطمحون إلى الوصول إلى معرفة مقدسة".

 

التفاهة أنتجت أمرين: البهرجة والابتذال، فالبعض قد يلجأ إلى الفظائع والقبائح طلبًا للشهرة، كذلك غرق الإعلام في التفاصيل، فغاب المعنى والغاية عن الكثير مما يقدمه، ولعل أصدق مقولة في نقد هذين الأمرين ما قاله المفكر المسلم "مالك بن نبي": "فكرنا خاضع لطغيان الشيء والشخص، وهذا السبب سيختفي عندما تستعيد الأفكار سلطانها في عالمنا الثقافي".

الرابط المختصر :