الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
68 - رقم الاستشارة : 3030
22/10/2025
كيف نظرت الفلسفة لظاهرة النوم؟ وهل يمثل النوم غموضًا سعى الفكر لفهمه أم النوم لم يحظى باهتمام فكري وفلسفي؟
أخي الكريم، يقضي الشخص العادي في عصرنا الحالي حوالي 27 عامًا من حياته نائمًا، أي أننا نقضي حوالي ثلث حياتنا نائمين، منعزلين عن العالم.
لكننا نحن لا نرى اندهاشًا في النوم؛ لأننا جميع ننام كل يوم رغمًا عنا، أما رؤية الفلسفة للنوم فتنوعت في الفلسفات المختلفة قديمًا وحديثًا، لكن الغالبية منها لم تستطع أن تنظر إليه على أنه آية، ولكن البعض نظر إليه مندهشًا، والآخر اعتبره منطقة حدودية تكفل تواصلاً مع النفس، تواصلاً لم يكن ليتحقق في حال اليقظة، ثم جاء علم النفس والأعصاب ليعطي النوم تفسيرات تربط بالدور الوظيفي للنوم.
النوم مشكلة فلسفية
النوم أمر خارق للطبيعة، لذلك قيل "النوم سلطان على السلطان" حتى على الملوك والسلاطين، فإن النوم يفرض سطوته عليهم، والنوم حالة طبيعة تتكرر كل يوم، والغريب أن الكثير يقبل أن يفقد وعيه كل يوم في المتوسط ثماني ساعات، معتبرًا ذلك جزءًا من طبيعة الحياة، ولا يقف أمام تلك الحالة مندهشًا أو متسائلاً.
بعض الفلاسفة تجنب الحديث عن النوم، على اعتبار أن الفلسفة تهدف إلى تنمية الوعي في اليقظة، وآخرون اعتبروا النوم عدوًا للوعي، وحاولوا مجابهة النوم من خلال تقليل ساعاته إلى أدنى مستوى، ونظر آخرون للنوم على أنه تذكير يومي للإنسان بالعجز المطلق عن مقاومة تلك الحالة القاهرة، وأن النوم ما هو إلا نقيصة إنسانية.
السؤال الذي طرحته الفلسفة حول النوم كان حول طبيعة الوعي والوجود الإنساني مع النوم، في ظل فقدان الإنسان جزءًا كبيرًا من وعيه كل يوم بالنوم يقدر بثلث يومه تقريبًا، كما تساءلت الفلسفة عن المكان والجهة التي تذهب إليها الروح والنفس في حال النوم، ولماذا نحلم مع النوم، وهل الأحلام نوع من العقل، أم محاولة للنفس لعبور الحدود إلى مجال آخر من الوعي.
أكد فيلسوف العقلانية الفرنسي "ديكارت" أننا لا نتوقف أبدًا عن التفكير، حتى في أعمق نوم، وهو رأي لم يوافقه فيه الفيلسوف الإنجليزي "جون لوك" الذي قال: "إن الأدلة التجريبية تُخبرنا أننا لا نفكر أثناء النوم، فكل إيماءة نعسان تُزعزع مبدأ ديكارت" ليأتي بعد ذلك بقرون عالم النفس الشهير "فرويد" ليؤكد أننا "نفكر أثناء النوم، لكن أفكارنا لا واعية".
ورغم ذلك فقد سعى فلاسفة أخلاقيون محدثون للحديث عن حقوق النائم، في إطار الفلسفة الأخلاقية، ومن تلك الحقوق ألا يتم تصوير الشخص وهو نائم.
النوم من الاندهاش إلى الوظيفة
في الوقت الراهن يكاد علماء النفس والأعصاب أن يستولوا على فهم وتفسير النوم، فتحول النوم من سؤال وإشكالية في الفلسفة، تُذكر الإنسان بضعف طبيعته البشرية، ليصبح الحديث عن النوم كوظيفة، ونقاشات حول كيفية تحسين تلك الوظيفة لدورها الحيوي في الصحة النفسية والبدنية، وكذلك تأثيرات النوم الاقتصادية، حيث إن مشكلات النوم تكلف الاقتصاد العالمي مليارات الدولارات سنويًّا، سواء في ضعف الإنتاجية بسبب قلة النوم، أو زيادة الطلب على المهدئات والمنومات لعلاج أمراض الاكتئاب والقلق والتوتر التي يعاني منها الإنسان المعاصر.
عالم الأعصاب البريطاني "كاثيو ووكر" هو أحد كبار المتخصصين في علم النوم، له كتاب بعنوان "لماذا ننام.. اكتشف طاقة النوم والأحلام"، تحدث عن التأثيرات المدمرة إذا فقد الإنسان حصته اليومية من النوم، وتناول دور النوم في عافية الإنسان البدنية والنفسية، وكيف أسهم النوم في تطوير القدرات العقلية للإنسان، وأكد أن "النوم هو الأصل، واليقظة مجرد تابع أو وقت مستقطع من حالة سبات نعيش فيها جميعًا، والنوم لحظة صدق نتخلص فيها من ثقل الوعي.
الرؤية الإسلامية تنظر للنوم على أنه آية من آيات الله، والآية هي الشيء المعجز المبهر المدهش؛ فالنوم موتة صغرى، تخف فيها قبضة البدن على الروح، كما أن النوم هو درس إيماني في البعث بعد الموت يتدرب عليه جميع البشر كل يوم، لكن الغالبية لا تنظر إلى تلك الآية العظيمة، بل ترى النوم ضرورة فسيولوجية للكائن الحي يستعيد فيها نشاطه وقدرته على الإبداع ومواصلة الحياة.
رابط ذات صلة: