هل يدفع الملل لارتكاب الجرائم؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 52
  • رقم الاستشارة : 2906
07/10/2025

هل هناك علاقة بين حالة الملل التي يعاني منها الإنسان المعاصر وارتكاب الجريمة؟

الإجابة 07/10/2025

أخي الكريم، الكثير من الدراسات والأبحاث الحديثة تربط بين الملل وبين الانحراف والسلوك الإجرامي، فالملل حقيقته فراغ من المعنى، وعدم رضا عن الحياة، ورغبة في إعادة الشغف للحياة، والبعض قد يجد في الجريمة سبيلاً لتحقيق المعنى.

 

الملل والانحـــراف

 

في دراسة إيطالية نشرت عام 2018م بعنوان "الملل والسلوك المنحرف اجتماعيًّا" أبدت قلقًا من تزايد السلوك الإجرامي والانحراف والسلوك العدواني لدى الشباب بسبب المشاعر الناجمة عن الملل؛ فالملل ينشئ رغبة في القيام بمغامرات خطرة ومثيرة وغالبًا ما تكون تكون منحرفة.

 

الملل يمهد لإمكانية ارتكاب الجريمة من خلال إعطاء الفرصة للانخراط في أعمال إجرامية، وكذلك ضعف أدوات ضبط النفس، فالملل ينشئ عاطفة طاغية يحتاج فيها الفرد إلى استبدال تلك المشاعر المضطربة، ويأتي ذلك من خلال المشاركة في أعمال تساهم في إيجاد المعنى للحياة، وقد تكون الجريمة هي الوسيلة لتحقيق ذلك المعنى المفقود.

 

الدراسات تؤكد أنه إذا ساد الملل وقت الفراغ فإنه في الغالب سينشأ سلوك منحرف، وأن العلاج لذلك المأزق يكون من خلال استثمار وقت الفراغ بالأنشطة النافعة الهادفة؛ فالحياة الخالية من الاهتمامات تحد كبير قد يدفع الشباب إلى ارتكاب الجريمة والسلوك المنحرف.

 

دراسة بريطانية خلصت إلى أن جرائم الشباب مرتبطة في المقام الأول بالملل، وأثبتت دراسة أخرى أن إدماج الشباب في أنشطة رياضية ساهم بشكل كبير وواضح في انخفاض السلوكيات المنحرفة مقارنة بغيرهم الذين لا يزاولون أنشطة رياضية.

 

علماء اجتماع يرون أن الجريمة قد تكون ردًّا على الخمول الاجتماعي الذي يصيب بعض الأفراد ويملؤهم بالملل، الذي يجعل بعض الأفراد أكثر عرضة لارتكاب الجريمة.

 

الملل يشبه الجوع

 

الملل قد يشبه الجوع القاسي الذي قد يدفع إلى العدوان، خاصة إذا كان مللاً وجوديًّا بسبب الفراغ الذي خلفته الحداثة والتطورات المتسارعة في المجال التكنولوجي والمعلوماتي، والذي أضعف اليقين والإيمان في النفس.

 

وقد يكون الملل ناتجًا عن التفكك الاجتماعي الذي تعاني منه الكثير من المجتمعات الحديثة بسبب تراجع دور الأسرة في التنشئة وتراجع المؤسسات التقليدية خاصة الدينية في غرس منظومة القيم والأخلاق في النفوس، ومن ثم كان على الفرد أن يبحث عن مسارات لملء فراغ نفسه ومقاومة ذلك الملل، وكانت الجريمة هي الخيار الأكثر إغراء لدى بعض الشباب، فالملل كما يقول أحد الفلاسفة يقف وراء كل شر.

 

تفاعل الملل مع السلوك الإجرامي والمنحرف قد يعزز عند البعض الشعور بالذات، وينمي الشغف ويملأ الحياة إثارة، وربما استطاع الفرد من خلال ذلك السلوك الإجرامي أن يحقق مكانة اجتماعية أو يجد مصيره مرتبطًا بمصير مجموعة من الأشخاص يجمعهم هدف واحد هو ارتكاب الجريمة، فيحقق له ذلك قدرًا من التماسك النفسي والاجتماعي الموهوم داخل ذلك التشكيل العصابي.

 

تشير دراسات نفسية واجتماعية إلى أن الملل يغري الشخص بالسعي إلى كسر القواعد الاجتماعية والقانونية حتى يجذب الانتباه إليه، أو يكون ذلك السلوك اعتراضًا على حالة اللامبالاة التي يلقاها في المجتمع الذي أهمله ولم يعتنِ به ولم يوفر له فرصة لشغل فراغه أو إشباع هواياته وتنميتها.

 

الملل والبحث عن معنى

 

الملل قد يدفع الشخص للبحث عن معنى لحياته، وهنا قد تُطرح الجريمة كوسيلة لتحقيق المعنى في الحياة، وهنا يظهر الملل كوجه العملة الآخر لفقدان المعنى؛ لأن الملل في حقيقته هو شعور قوي بعدم الرضا عن الحياة.

 

تشير إحدى نظريات علم النفس وهي "نظرية التشويه" التي طورها عالم النفس الأمريكي "آرون بيك" إلى أن الأشخاص الذين يعانون من التوتر والضغط النفسي والضعف الأخلاقي والملل، يصبحون قلقين ويمكن أن يرتكبوا أفعالاً مضرة بالمجتمع، وترى هذه النظرة العاطفة كدافع للجريمة.

 

وربما هذا ما أكده كتاب "داخل عقل قاتل مراهق" تأليف "فيل تشالمرز" أحد خبراء الجريمة في الولايات المتحدة والذي قضى أربعين عامًا من عمره في دراسة حالات القتل ودوافعه، حيث ذكر في هذا الكتاب إلى أن الملل كان وراء العديد من حالات القتل، وخلص إلى تلك النتيجة بعد مقابلات مع مائتي قاتل مراهق حيث أكدوا له أن الملل كان وراء جرائم القتل التي ارتكبوها بحثًا عن الإثارة والتسلية والقتل من أجل القتل.

 

روابط ذات صلة:

لماذا نشعر بالملل في الحياة؟

لماذا يبدو الكثير من الشباب أقل سعادة؟

ما المقصود بغياب المعنى وتأثيره على الإنسان؟

الرابط المختصر :