هــل تحتاج عقولنا إلى الأهــــداف؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 148
  • رقم الاستشارة : 2472
23/08/2025

هل تحتاج عقولنا إلى الهدف لتنمو وتزدهر، وهل الهدف يعطي قوة للفكرة ويمدها بالعزيمة والإصرار؟

الإجابة 23/08/2025

في البداية أود أن أشكركم على هذا السؤال، والسبب أن السؤال من محفزات العمل والسعي الجيد، ذلك السعي الذي يرفض الرؤى الاتكالية، ويبتعد عن ذوي الهمم العاجزة، ويتقرب من ساحات الفعل، ويحدد مسؤولية الإنسان عن الكثير من نجاحه أو إخفاقاته.

 

عقولنا تحتاج إلى الأهداف، هذه حقيقة مؤكدة، فبدون الهدف تغيب النهايات ويضل السعي وتتفلت العزائم، وربما هذا ما أشار إليه مفكرون وأدباء كبار، فنجد –مثلاً- الأديب الروسي "دوستوفسكي" في رائعته "الإخوة كارمازوف" يقول على لسان أحد الأبطال: "إن سر الوجود الإنساني لا يكمن في مجرد البقاء على قيد الحياة، بل في إيجاد شيء نعيش من أجله".

 

والأديب "هرمان هيسه" الحائز عل جائزة "نوبل" في الأدب، يقول في روايته "سيدهارتا" على لسان أحد أبطاله: "عندما يسعى المرء، فمن السهل ألا ترى عيناه إلا ما يبحث عنه".

 

وهذا ما أكده كذلك "أينشتانين" بقوله: "إذا كنت تريد أن تعيش حياة سعيدة، فاربطها بهدف، وليس بأشخاص أو أشياء".

 

الأهداف ضرورية للعقل، هذا ما يؤكد علماء النفس والأعصاب والتربية وخبراء التنمية البشرية؛ فعقل الإنسان يعمل على مستويين الوعي واللاوعي، والوعي هو أقل قوة وإمكانات وطاقة من اللاوعي، لكنه ضروري لتحديد الهدف، فكل الأهداف العظيمة تبدأ من التفكير الواعي، ثم تنتقل بعد ذلك إلى مكامن الطاقة في اللاوعي.

 

ومن هنا فالأهداف تحتاج إلى قوى العقل الظاهرة والباطنة معًا، وهي محفزات قوية لعمل العقل، يقول علماء النفس إن عقلنا الواعي يحدد الأهداف، أما عقلنا الباطن فهو من يزودنا بالأدلة والأفكار وتجاربنا السابقة التي تدعم تحقيق تلك الأهداف، أي أن الوعي يشبه الحارس الذي يفتح الباب أمام مخزون من التجارب والأفكار والطاقات.

 

الهدف يضفي المعنى على الحياة، والمعنى ذو أهمية كبيرة في جودة الحياة والصحة النفسية والعقلية، ومن الأشياء التي تضفيها الأهداف على تفكيرنا أنها أحد موانع التشتت؛ فوجود الهدف يجعل نظر الشخص يتركز على العلامة والضوء الموجود في نهاية الطريق، ويحفز الشخص على الوصول إليه وبلوغ مراده وغايته.

 

تشير الأبحاث إلى مجموعة من الحقائق، منها:

 

* أن وجود الهدف يسمح للشخص بتحديد المهارات والتدريبات الواجب تحصيلها.

 

* وتوفير الموارد الواجبة لبلوغ الهدف.

 

* وأن دماغ الإنسان يحتاج إلى أهداف واضحة، وإلا فسيتعرض لمتاعب.

 

* وأن الشخص إذا اضطر لوضع هدف قد لا يكون راغبًا فيه، فإن العواطف قد تعيق تحقيق الهدف؛ لأن العاطفة محفز قوي على تحقيق الهدف.

 

ويشير علماء الأعصاب إلى أن الدماغ يعزز سلوك الإنسان لتحقيق الهدف من خلال إطلاق مادة الدوبامين (وهي هرمون أو مادة كيميائية يطلقها الجسم وتعمل كـ"مركز مكافأة" في الدماغ، وتساعد في الشعور بالمتعة والسعادة، وتدفع لتكرار السلوكيات الإيجابية)، ويؤكد علماء الأعصاب أن الدماغ يحتاج إلى ذلك المحفز حتى يسعى ويجتهد ويشعر بالرضا من خلال المكافآت والحوافز.

 

وكما يقول الفيلسوف الروماني القديم "سينيكا": "إذا لم يعرف الإنسان إلى أي ميناء يبحر، فلن تكون هناك رياح مواتية".

الرابط المختصر :