ما واجب المشاهير تجاه قضايا الأمة؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 138
  • رقم الاستشارة : 2369
15/08/2025

محمد صلاح والمشاهير.. ما دورهم في نصرة قضايا الأمة؟

1. ما مسؤولية المشاهير والمؤثرين تجاه قضايا الأمة؟ هل يكفي أن يلتزموا الصمت أم يجب أن يتحدثوا؟

2. كيف يمكن لشخصية مشهورة مثل محمد صلاح أن تفتح أبواب وعي لآلاف الناس حول قضايا لم يسمعوا بها من قبل؟

3. عندما نشر محمد صلاح تغريدة عن استشهاد اللاعب الفلسطيني سليمان العبيد، موجّهًا سؤالًا للاتحاد الأوروبي: "هل يمكنكم أن تخبرونا كيف مات وأين ولماذا؟"، ما تأثير مثل هذا السؤال البسيط على وعي الجماهير العالمية؟

4. هل يمتلك المشاهير قوة تأثير أكبر من وكالات الأنباء والمؤسسات الإعلامية؟ وما أسباب ذلك؟

5. كيف يمكن لجمهور المشاهير دعمهم ليكونوا صوتًا للحق والعدالة؟

6. ما العلاقة بين الشهرة والمسؤولية الأخلاقية؟ وهل يدرك المشاهير المسلمون أن شهرتهم أمانة ورسالة قبل أن تكون وسيلة للنجاح الشخصي؟

7. إلى أي مدى يمكن لتصريح قصير أو تساؤل بسيط من شخصية مؤثرة أن يغيّر واقع قضية مهمة أو يسلط الضوء على مظلومية مجهولة؟

الإجابة 15/08/2025

في البداية -أخي الكريم- يجب أن نقرر حقيقة واضحة وهي أن للشهرة زكاة لا تختلف عن زكاة المال؛ فلكل نعمة أنعمها الله على الإنسان زكاة وواجب، فلا نعمة بدون حق للناس فيها، ومن أعظم الحقوق الواجبة على المشاهير أن يستثمروا شهرتهم في تصحيح وعي الناس، والمناداة بالعدل والخير ومكافحة السوء والشر.

 

قد تكون الكلمات القليلة من الشخص المشهور ذات نفع عظيم للأمة فقد تحقن دماء الناس من أن تُسفك هدرًا، وقد تحفظ شرائع الدين من أن تُمحى من المجتمع، وقد تحدث فلاسفة الأخلاق عن دور المشاهير في مجال القدوة الأخلاقية.

 

وقوة تأثير المشاهير والنخبة كبيرة للغاية، ويجب ألا يظن هؤلاء أن واجبهم تجاه أمتهم يماثل ويشبه واجب الأفراد العاديين؛ فالشهرة نعمة كبيرة تحتاج إلى شكر، وشكرها يكون باستخدامها فيما ينفع النفس والناس وفق ما قرره الشرع.

 

ودعم المشاهير لقضية معينة يكون فعالاً تجاه تلك القضية، وهو ما استفادت منه دراسات التسويق، حيث أخذت الشركات في تخصيص مئات الملايين من الدولارات سنويًّا حتى يدعم المشاهير علامتهم التجارية.

 

والحقيقة أن حشد الرأي العام تجاه قضية معينة أو دعم حق معين، يكون أسهل وأكثر انتشارًا إذا جاء ذلك من المشاهير، فهو يعادل حملات إعلانية كبيرة تُنفق فيها ملايين الدولارات، وغالبًا قد لا يعادل ذلك الإنفاق ما قام به هذا الشخص المشهور تجاه تلك القضية.

 

ونشير هنا إلى موقف أحد المشاهير وهو الشيخ محمد مصطفى المراغي، الذي لم يؤيد دخول مصر الحرب العالمية الثانية، ورأى أنها حرب ليس لمصر مصلحة فيها من قريب أو بعيد، ولم يكتف الشيخ المراغي بذلك، ولكنه أطلق دعاء في برنامجه الإذاعي على الملأ قائلا: "اللهم نجنا من حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل"، وكانت دعوة مباركة وذات دوي في المجتمع، اهتزت لها الحكومة، وخاطب رئيس الحكومة حينها "حسين سري باشا" شيخ الأزهر بخطاب حاد، فما كان من الشيخ المراغي إلا أن قال: "أمثلك يهدد شيخ الأزهر؟! وشيخ الأزهر أقوى بمركزه ونفوذه بين المسلمين من رئيس الحكومة، ولو شئت لارتقيت منبر مسجد الحسين، وأثرت عليك الرأي العام، ولو فعلت ذلك لوجدت نفسك على الفور بين عامة الشعب".

 

وتكرر موقف مشابه أيضًا للعلامة التونسي الشيخ "الطاهر بن عاشور" عندما سعى الرئيس الأسبق "الحبيب بورقيبة" لدفع التونسيين إلى الإفطار في رمضان بحجة أن الصيام يقلل الإنتاج، وظهر هذا "البورقيبة" مفطرًا عام 1961م، وسعى للحصول على فتوى من العلامة "ابن عاشور" بجواز الإفطار، فظهر "ابن عاشور" على مسامع الناس وقرأ آية الصيام، وقال: "صدق الله وكذب بورقيبة" ثلاث مرات، مستثمرًا مكانته وشهرته لمنع السلطة العلمانية من إجبار الناس على التخلي عن أحد أركان الإسلام الخمسة.

 

والحقيقة أن مواقف المشاهير لمساندة قضية عادلة لها ضريبتها التي في الغالب سيدفعها من أرباحه أو حضوره الإعلامي أو منصبه أو أمواله أو حتى من حريته؛ فالمساندة لن تمر مرور الكرام، ولكنْ فيها قدر من التضحية، فبعض مشاهير كرة القدم عندما ساندوا القضية الفلسطينية استغنت عنهم أنديتهم الغربية، وتم إنهاء تعاقداتهم.

 

ونلاحظ في قضية غزة أن مساندة المشاهير من العالم أجمع خاصة من العالم الغربي كانت أكثر وأشجع من مساندة المشاهير العرب والمسلمين، ربما لمناخ الحرية الذي تتمتع به المجتمعات الغربية، أو أن قضية غزة لمست وجدانهم وإنسانيتهم، فقرروا أن يبذلوا المساندة حتى وإن قدموا تضحيات، فنجد في حفلات توزيع الجوائز السينمائية يتحدث الفنانون وصناع السينما عن غزة، ويتحدث هؤلاء عن إدانة عمليات الإبادة الإسرائيلية للأبرياء في غزة.

 

ومن هؤلاء الفنانين "أنجلينا جولي" التي وصفت ما يجري في غزة بأنه مقبرة جماعية، ووصفت إسرائيل بأنها دولة إرهابية، حتى الصحفي البريطاني "موريس مورجان" الذي يُعد أحد كبار المدافعين عن إسرائيل، لكن تغير موقفه وأعلن صراحة بضرورة وقف الحرب في غزة، وقال: إنه "لم يعد بإمكانه مقاومة انتقاد أفعال إسرائيل".

 

البعض يعتقد أن الشهرة تشكل عائقًا أمام مساندته للقضايا العادلة، ويظن أنه سيخسر كثيرًا أو سيلحق به أضرار جراء تلك المساندة، ربما هذا صحيح، لكن إنكار المشاهير لا يكون بالقلب ولا يعتد به كموقف لهم، ولكن الواجب عليهم الإنكار باللسان والفعل؛ فإنكار القلب هو فعل من لا يملكون حيلة ولا قوة، وهو سلاح الضعفاء وغير القادرين.

الرابط المختصر :