ما علاقة الرقمية بانتشار روح الحسد؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 74
  • رقم الاستشارة : 2780
24/09/2025

هل للرقمية دور في إشاعة روح الحسد في المجتمع، لا شك أن الحسد موجود من قديم لكن كثرته الطاغية هو الجديد؟

الإجابة 24/09/2025

أخي الكريم، في البداية أود أن أؤكد أن الرقمية رغم الفوائد العظيمة التي قدمتها، فإن تلك الفوائد كان لها ثمنها الذي دفعه الإنسان، فقد قرب العالم الافتراضي الناس من بعضهم البعض بصورة لم تحدث في تاريخ الإنسان، وألغى العوائق التي كانت تفرضها الجغرافيا والسياسة على حركة الإنسان ووعيه، ومع هذا فقد فتح بصر الإنسان على ما حوله سواء في محيطه الاجتماعي أو العالمي، ومع هذا الانفتاح كانت المقارنة حاضرة دومًا، وحضر معها الحسد في غالب الأحيان.

 

ما الذي قدمته الرقمية للحسد؟

 

الحسد هو تمني زوال النعمة الممنوحة والمملوكة للآخرين، ففي تلك الحالة النفسية البغيضة قد يتمنى الشخص زوال نعمة الآخرين حتى وإن لم تأت تلك النعمة إليه أو يتحقق له امتلاكها، ومن ثم فالحسد شعور عدواني، يشبه النار المشتعلة في ذات الإنسان تجاه ما يتمتع به الآخرون من فضل ونعم وعطاء.

 

تخبرنا الدراسات النفسية أن الحسد شعور نفسي يرتكز على المقارنة، فعندما تظهر النعمة، وبخاصة في المجال المحيط بالشخص، يبدأ في عقد مقارنة بين ما عنده وبين ما يتمتع به الآخرون وما يمتلكون، فتتحرك نفسه بالكراهية والتمنيات والخيالات التي يشعر معها الحاسد بالدونية، وأن الآخر يتفوق عليه أو يمتلك أكثر منه.

 

أما الذي قدمته الرقمية للحسد فهو البيئة الخصبة التي تنمو فيها تلك المشاعر السيئة، بما وفرته له من معلومات ومشاهدات ومادة مغرية تصلح أن تكون معها المقارنة حاضرة ومنتجة لآثارها السلبية.

 

دراسة مهمة

 

في دراسة مهمة عن "العلاقة بين الحسد والتكنولوجيا الرقمية" نشرت أبريل 2024م، ذكرت مجموعة من أوجه الارتباط الوثيق بين الرقمية وبين مشاعر الحسد، منها:

 

* أن الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، تعرض الإنسان لجميع الأشخاص الذين يمكن أن يقارن نفسه بهم، حتى وإن لم يكونوا حاضرين جسديًّا معه، وحتى وإن لم يكن يعرفهم، ومن ثم فتيار المقارنة يكون شديد القوة مع الرقمية، والذات تكون حاضرة مع العشرات والمئات بل والألوف ممن يتابعونه أو يتابعهم.

 

* أن الرقمية خلقت ثقافة البوح الكثيف على مواقع التواصل الاجتماعي، فالغالبية العظمى تميل إلى نشر صور وفيديوهات يخص حياتها الشخصية، لكن هذا النشر في الغالب يخص أفضل الحالات وأزهى اللحظات وأبهاها، دون أن يرافق هذا النشر المجهود والثمن الذي بُذل للوصول إلى هذه الحالة، وهذا النشر يشجع على عقد المقارنة، ويغري بالوقوع في بئر الحسد، ومن هنا فإن الأنشطة على الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي تدفع إلى الإغراء بالحسد.

 

* تقول الدراسة إن الرقمية تجلب المزيد من المتابعين إلى بيئتنا الاجتماعية للاطلاع على ما فيها وعقد المقارنات الاجتماعية، خاصة أن بعض المتابعين لشخص ما يزيد على الألوف من الأشخاص الذين تختلف تركيبتهم النفسية واستعداداتهم لعقد المقارنات بين حالهم وبين حال من يشاهدون على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

* تحدثت الدراسة عما أسمته "الحسد الوجودي"، ففي العالم الرقمي يكون هناك نوع من الحسد على طريقة الوجود في الحياة، مثل الوجود في بيئة نظيفة أو تلقي التعليم في جامعة مميزة، أو امتلاك سيارات فخمة، أو التمتع بمصايف هادئة، أو السعادة الزوجية، فطريقة الوجود في العالم تُنشئ مشاعر للحسد عند الآخرين، وفي الغالب لا يشعر بها ذلك الشخص "المحسود" الذي يتباهى بطريقة حياته أمام الآخرين.

 

* تقول الدراسة إننا لا نحسد أي شخص على أي شيء، ولكن الحسد يكون من الذين يعتبرهم الشخص مشابهين له إلى حد ما، ولذا يشيع الحسد بين الإخوة والأخوات والأقرباء والجيران والأقران والأصدقاء أو من تصفهم الدراسة بأنهم "من ينتمون إلى بيئتنا العاطفية، أي أولئك الذين لهم أهمية عاطفية بالنسبة لنا"، أما من هو خارج نطاق التشابه فهو بعيد عن مشاعر الحسد، ومن ثم فالحسد يكون بين المقربين والأقرباء هو الأكثر وهو الأكثر ضررًا.

 

* تقول الدراسة إن الحسد يتغذى على التوقعات، فتنمو مشاعر الحسد وفقًا لتوقعات الفرد الموروثة أو المكتسبة أو وفقًا للتقاليد والعادات الاجتماعية، فبعض الأشخاص الذين تحدث لهم طفرة مالية في حياتهم لسبب ما يكونون أكثر عرضة للحسد؛ لأن التوقعات التي كانت تحوم حولهم أوجدت فجوة كبيرة بين التوقعات الماضية وبين ما هو واقع وقائم في الحياة في اللحظة الراهنة.

 

روابط ذات صلة:

هل غذت الرقمية روح التكشف والتعري؟

كيف أثرت ثقافة الصورة على أخلاقنا؟

لماذا غابت ثقافة الستر في العالم الافتراضي؟

ما هي أخلاق الفقر وتأثيرها على المجتمع؟

الرابط المختصر :