ما هي أخلاق الفقر وتأثيرها على المجتمع؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 94
  • رقم الاستشارة : 2769
24/09/2025

هل هناك اختلاف بين الأخلاق في المجتمع الفقير مقارنة بالمجتمع الغني؟ وهل الفقر يمكن أن تنشأ عنه أفكار تتسبب في القطيعة بين أفراد المجتمع؟

الإجابة 24/09/2025

أخي الكريم، لا شك أن الفقر يُنتج أخلاقياته وثقافته وله تأثيره على المجتمع، تلك الآثار التي تكون غالبًا سلبية وضارة على الفرد ذاته من الناحية النفسية والأخلاقية والبدنية والاجتماعية، وكذلك له آثاره الضارة على المجتمع في ارتفاع معدلات الجريمة، وتدني الأخلاق العامة، وارتفاع معدلات الفساد، وضعف التماسك الاجتماعي، وانتشار الأحقاد الاجتماعية والضغائن، ولذا يمكن فهم استعاذة النبي ﷺ الدائمة كل يوم من الفقر، ومساواة الفقر مع الكفر في الاستعاذة، وكذلك مقولة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".

 

ولــــــكن قبل الحديث عن أخلاقيات الفقر، أود أن أؤكد أن الحديث هنا ليس عن الفقراء، أو وصفهم بسوء الخلق أو الميل إلى الجريمة، لكنه حديث يؤكد على أن الفقر يتحول إلى بيئة خصبة لنمو الأمراض الأخلاقية والاجتماعية، تلك الأمراض التي قد تصيب بعضًا من الأفراد الذين يوصفون بأنهم فقراء.

 

ما الفقر؟

 

الفقر له تعريفات متعددة، لكن يمكن أن نختار منها تعريفًا يقرب المعنى أكثر، وهو أن الفقر حرمان من القدرة لمدة طويلة، وهو حرمان مرتبط بانخفاض الثروة والدخل؛ ما يؤثر على تدني مستوى العيش والعجز عن توفير متطلبات الحياة الضرورية إلا بصعوبة وجهد كبير، من الطعام أو المسكن أو العلاج والتعليم، وفي حال توفرها فإنها تكون في مستوياتها الدنيا، وقد تكون غير دائمة أو مستقرة؛ ما يعرض بقاء الإنسان ووجوده للتهديد بشكل أو بآخر.

 

ومن ثم فالفقر يعد عجزًا عن توفير الاحتياجات الضرورية إلا بمشقة وصعوبة كبيرة، وهو ما يخلق حالة من الحرمان التي تنعكس على حياة الفرد وأسرته.

 

الفقر والأزمــــة الأخلاقيــة

 

لا شك أن للفقر آثاره الواضحة على الأخلاق، والتي تأتي أغلبها سلبية، فعندما يعجز الإنسان عن توفير حاجاته الأساسية وضروريات حياته من طعام وشراب ومسكن، فإن ذلك قد يطغى على مبادئه الأخلاقية، وهنا يوازن الفرد بين البقاء على الحياء والتمسك بالقيم، وهي معادلة شديدة الصعوبة، وقليل من يتغلب عليها أو ينتصر فيها، وغالبًا ما يدفعه ذلك إلى أن يركز على البقاء والاستمرار في الحياة.

 

وفي دراسة للبنك الدولي حول العلاقة بين الفقر والانخراط في الفساد، خلصت الدراسة إلى أن الناس أكثر عرضة للانخراط في الفساد في حال الفقر؛ فالفقر قد يجعلهم لا يمانعون في قبول الرشاوى أو اختلاس الأموال، حتى يلبوا احتياجاتهم الضرورية.

 

كما أن الفقر من مسببات انتشار مشاعر اليأس والإحباط، تلك المشاعر التي هي من أخطر ما يجلب الأمراض النفسية والأحقاد والحسد والبغضاء.

 

تشير دراسات نفسية إلى أن الحسد عاطفة قائمة على المقارنة، وهذه العاطفة في حال الفقر تكون مدمرة مؤلمة للشخص الحاسد والمحسود على السواء؛ لأن الحسد ينتج مجموعة من القيم والسلوكيات السلبية وأخطرها السلوك المعادي للمجتمع والراغب في تقويضه وإلحاق الأذى به.

 

ويؤكد علماء النفس في أبحاثهم أن الحسد مؤشر مقلق وعلامة على انخفاض احترام الإنسان لذاته، إذ يشعر في أعماقه بالضعف والذلة والدونية والنقص، ويرى الخروج من ذلك المأزق لا يكون إلا بالحسد.

 

الفقر والجريمة

 

أما علاقة الفقر بالجريمة، فهي وثيقة الصلة؛ فالجريمة تعد من أعلى درجات الانحراف الأخلاقي، وقد أجرى علماء النفس والاجتماع والاقتصاد دراسات حول العلاقة بين الفقر والجريمة، وهناك ما يشبه الإجماع على الارتباط الوثيق بين الاثنين؛ فالفقر يزيد بشكل كبير من خطر السلوك الإجرامي ويرفع معدلات الجريمة، وهناك ثلاث نظريات تفسر هذه العلاقة، هي:

 

نظرية الضغط: وتعني أن الأفراد يُعانون من الضغط النفسي عندما يعجزون عن تحقيق أهدافهم الاجتماعية المقبولة، فيلجأ بعضهم إلى الأنشطة الإجرامية كوسيلة بديلة لتحقيق أهدافهم.

 

نظرية التفكك الاجتماعي: وتعني أن ارتفاع مستويات الفقر، وعدم الاستقرار السكني، وتفكك المجتمع يُسهم في ارتفاع معدلات الجريمة. فالمجتمعات ذات الموارد المحدودة، وضعف الشبكات الاجتماعية، وغياب آليات الرقابة الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية، أكثر عرضة لارتفاع معدلات الجريمة.

 

نظرية الحرمان الاقتصادي: وتعني أن قلة الوصول إلى الموارد تعد عاملاً مُحفِّزا للجريمة، وقد يكون السلوك الإجرامي رد فعل على الظلم الاجتماعي والاقتصادي المُتصوَّر.

 

روابط ذات صلة:

الفقر والجريمة.. أيهما أشد خطراً على المجتمع؟

الرابط المختصر :