الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
212 - رقم الاستشارة : 2422
20/08/2025
جيل كامل من الشباب العربي يعيش شغفًا كبيرًا مع الأنيمي الياباني والدراما الكورية. البعض يراها مصدر إبداع وإلهام، والبعض الآخر يحذر من جانبها المظلم: محتوى خادش، تطبيع مع قيم غريبة، وخوارزميات تدفع بما يهدد الهوية. هل هذا مجرد تفاعل ثقافي طبيعي أم غزو ثقافي خطير؟ لماذا ينجذب الشباب لهذه الثقافات؟ أين يكمن الخطر الحقيقي: في المحتوى أم في طريقة تسويقه؟ كيف نوازن بين حماية القيم والانفتاح على الإبداع؟
الحقيقة أن سؤالكم يضع يده على جرح تعاني منه عشرات الآلاف من الأسر العربية والمسلمة، حيث باتت أفلام الأنمي أو الكارتون اليابانية تسيطر على عقول الصغار والمراهقين وتداعب خيالهم وتستولي على وجدانهم ومشاعرهم وأوقاتهم، وتخرجهم من واقعهم إلى خيال مرعب مقلق عنيف.
تشير وقائع إلى أن بعض المراهقين قد انتحروا تأثرًا ببعض أفلام الأنمي، فبعضهم قفز من أعلى المباني في روسيا تأثرًا بشخصية كرتونية تسمى "إيتاتشي أوتشيها"، حيث يكثر في هذا المسلسل القتل ومبررات القتل.
وفي اليايان، ومع كثافة مشاهدة الأطفال لأفلام الأنمي، ظهر مرض أطلقوا عليه ""تشونيبيو" أو متلازمة الصف الثامن، والشخص المصاب بهذا المرض يتخيل أشياء غير موجودة، وتسيطر عليه أوهام وأفكار شريرة، وهذا الاضطراب يعاني منه مراهقون يابانيون في سن الثالثة عشرة، وينتج عن هذا المرض ميل إلى التمرد واستخدام العنف.
الأنمي يمثل أحد معالم نجاح الثقافة اليابانية في فرض قيمها وأفكارها عالميًّا من خلال تلك المسلسلات، ورغم أن اليابان عرفت إنتاج الأنمي عام 1917 فإن تطوره شهد فترات تعثر قبل أن يشهد انتعاشًا كبيرًا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وبلغ ذروته في التسعينيات بإنتاج مسلسل "بوكيميون" الذي عُرض في مائة دولة.
الأنمي الياباني يقدم صورة إنسانية لليابان، وهو إحدى قوى اليابان الناعمة، كما أنه أحد مواردها الاقتصادية؛ إذ يحقق ربحًا سنويًّا يقدر بمليار دولار.
ولكن ما قوة الأنمي وتأثيراته الثقافية؟
تنتج اليابان ما يقرب من 60% من إنتاج الأنمي العالمي، فتنتج حوالي (200) مسلسل، وهناك أكثر من (150) شركة يابانية متخصصة في ذلك الإنتاج.
تكمن خطورة الأنمي في حجم الأوهام والخيال الذي يسيطر من خلالها على أذهان الصغار والمراهقين؛ فالمبالغة في الخيال تفرز أزمات لهؤلاء الصغار مع واقعهم، إذ يعيشون بعيدًا عن الواقع وحدود القوة والإمكانات، وفي ظل تلك الفجوة تظهر الأمراض النفسية والأوهام العقلية والإحساسات الخادعة بامتلاك قوة خارقة والقدرة على القيام بأفعال تتجاوز حدود القوة الإنسانية.
أفلام الأنمي اليابانية تقدم ثنائية الخير والشر، والاعتقاد والسلوك، وهو ما يخاطب وجدان المراهقين وأحلامهم ويسيطر على عقولهم، بجانب دور الصورة والأصوات والموسيقي في ترسيخ تلك المفاهيم، كما أنها تقدم مفاهيم مرتبطة بحياة الشباب الصغار مثل الصداقة والوفاء والشجاعة والتضحية، لكن تقدم معها كذلك جرعات من الجنس.
أما ما يتعلق بعالمنا العربي فسيطرت تلك الأفلام على أذهان الصغار والمراهقين خاصة مع مطلع الألفية الثالثة، وتقديم اليابان دعمًا ماليًّا ضخمًا لتلك الصناعة، فعُرضت تلك الأفلام مدبلجة ومن أشهرها "كابتن ماجد" و"جريندايزر"، واحتلت تلك الأفلام الكثير من الأوقات في قنوات الأطفال العربية، ومن أشهرها "المحقق كونان" الذي زادت حلقاته على أربعمائة حلقة.
خطورة الأنمي على عقلية المراهقين من العرب والمسلمين هي تسرب القيم البوذية إلى محتواه، والأخطر هو فكرة الانتحار التي تعد من الفضائل في الديانة البوذية، كما أن تلك الأفلام تعمق ثقافة العنف والقسوة، وتخلق حالة من التبلد الشعوري تجاه الدماء والقتل؛ بل تغري بارتكابها باعتبارها أحد معايير القوة والشجاعة.
وجد باحثون يابانيون أن الشباب الذين يُعرّفون أنفسهم كمُعجبين بالأنمي أكثر عُرضةً لمشاكل الصحة النفسية، بما في ذلك العدوانية والاكتئاب والأفكار الانتحارية والقلق واضطرابات الأكل، لذلك قامت بعض الدول مثل الصين وروسيا بحظر تلك الأفلام، أو حظر أفلام معينة منها لتأثيراتها السلبية على النمو العقلي على الأطفال والصغار.
تشير دراسات آسيوية إلى أن مشاهدة الشباب والصغار لأفلام الأنمي أدى لتأثيرات سلبية على تغذية هؤلاء الصغار، فمن ناحية يتم ترويج منتجات غذائية لا تفيد صحة الصغار والشباب أثناء الاستماع لتلك الأفلام، ومن ناحية أخرى ظهرت رغبات لدى هؤلاء لتقليل الطعام حصولاً على جسد مثالي، فنشأ عدم رضا على الذات والجسد مع تلك الأفلام، حيث يضع الأنمي معيارًا واحدًا للجسد المقبول، وهذا يؤثر سلبًا على الهوية ويعيق اكتشاف هؤلاء الشباب لذواتهم إلا وفق المعايير التي يشاهدونها في تلك الأفلام، التي لا تخلو من التعبيرات الجنسية الواضحة التي تشاغل غرائز المراهقين.