لماذا يميل الناس إلى تصديق الكذب؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 244
  • رقم الاستشارة : 2323
09/08/2025

ألاحظ أن الكذب والشائعات أكثر انتشارًا والناس تميل أحيانًا إلى تصديق الكذب.. فهل المشكلة في منطق الكذب أم في أفكار الناس وعقولهم؟

الإجابة 09/08/2025

في البداية -أخي الكريم- أشكركم على هذا السؤال الذي يكشف عن أزمة متعددة الجوانب، تعاني منها الكثير من المجتمعات بدرجات متفاوتة، ونشاهدها في الكثير من الأشخاص حولنا، الذين يميلون إلى تصديق الشائعات والكذب بأكثر من تحريهم لمدى صدق أو صحة المعلومة.

 

والمؤكد -أخي الكريم- أننا نلمس زيادة في كــم وانتشار الكذب والشائعات في وقتنا الراهن؛ فالكذب أصبح شائعًا على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، والأدهى أن الذكاء الاصطناعي بات أحد كبار منتجي الأكاذيب في العالم الرقمي، وهو ما يجعلنا أمام أزمة في إنتاج الكذب ومشكلة أخرى في استهلاكه، ومأزق ثالث في سرعة تداوله، وكارثة رابعة في انتقال الكذب من العالم الافتراضي إلى الواقع ليخلق أزمات نفسية واجتماعية أو احتقانات عرقية وطائفية أو حالات من الهلع والفزع في المجتمعات.

 

تشير الدراسات الخاصة بالرأي العام إلى أن التعرض المتكرر للمعلومات المضللة على شبكات التواصل الاجتماعي يأتي في كثير من الأحيان إذا تماشت تلك الأكاذيب والشائعات مع الأحداث الجارية والساخنة؛ فتلك الحالة تخلق قابليات عند بعض الناس لتقبل الكذب والشائعات دون نقد وتمحيص وفرز، بمعنى أن الوعي النقدي عند بعض الأشخاص قد يضعف في تحليل المعلومة أو الخبر ومساءلته عن مدى صحته وصدقه.

 

تشير الدراسات، أيضًا، إلى أن انتشار الأخبار المزيفة والكذب أصبحت المنصات الاجتماعية هي الساحة الأساسية له، وتشكل حوالي (88%) من إنتاج الأخبار المزيفة، في حين نجد –مثلاً- أن الصحف شاركت بنسبة لا تزيد على الـ(8%).

 

وتلفت الدراسات كذلك الانتباه إلى حقيقة أخرى مقلقة، وهي تراجع المصادر التقليدية للحصول على المعلومات والأخبار، سواء من الصحفيين المتخصصين أو الخبراء في ذات المجال أو من الكتاب والمفكرين والمثقفين لصالح المؤثرين والمشهورين على مواقع التواصل الاجتماعي، وغالبية هؤلاء الكثير من معلوماتهم غير دقيقة وبعضها غير صحيح والآخر مزيف وكاذب.

 

ونلاحظ كذلك أن الكثير من الأشخاص يفضلون الحصول على معلوماتهم من المصادر التي تتميز بقدر عال من التفاعلية، وهذا يزيد من تلقيهم المعلومات والأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تتسم بالدقة، وبعضها لا يتمتع بالمصداقية والصدق، وهذه الحالة تقلل من أهمية المحترفين في صناعة الخبر لصالح الهواة، كما أنها تزيل المسافة بين إنشاء الخبر واستهلاكه.

 

ولعل مما يجعل الناس تميل إلى تصديق الكذب في وقتنا الراهن هو كثافة ما يتلقاه الشخص المعاصر من أخبار ومعلومات وقصص على مدار اليوم، هذه الكثافة لا تُمكن البعض من فرز الصدق من الزيف، وهنا تتسرب أكاذيب إلى وعي الشخص دون أية ممانعة، ونستطيع أن نقول إن هناك علاقة طردية بين كثافة المعلومات والأخبار وبين تسرب الكذب والمعلومات المغلوطة والخاطئة.

 

الدراسات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي تؤكد أن الروبوتات زادت من انتشار الأخبار الكاذبة، وأن انتشار الأخبار الكاذبة يأتي بسبب ميل الإنسان إلى الانجذاب إلى الجديد والأخبار المثيرة عاطفيًّا.

 

لكن المهم أن الكثير لا يبذل جهدًا لتحري صدق الخبر وصحة المعلومة، ومن جانب آخر تؤكد الدراسات أن التحيز المعرفي للشخص وانتماءه العرقي والديني والسياسي والمذهبي يساهم في تبينه بعض الأخبار الكاذبة دون تدقيق أو نقد أو تحرٍّ عن صحة المعلومة وصدق الخبر، خاصة إذا ارتبط الخبر أو المعلومة بالجهة المنافسة أو المعادية لما ينتمي إليه، وتشير الدراسات إلى أن القناعات تؤثر في قبول الكذب والشائعة.

الرابط المختصر :