الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
83 - رقم الاستشارة : 2703
15/09/2025
ينشر ملايين الصور يوميًا على الإنترنت وعشرات الآلاف بل مئات الألوف منها صور غير لائقة لنساء مع أزواجهن أو آبائهن بل بعض الصور شبه عارية، وسؤالي هل ساهمت الرقمية في انتشار عدم الغيرة والدياثة؟
أخي الكريم، يبدو أن سؤالكم تحذيري أكثر منه استفسارًا عن العلاقة بين انتشار الرقمية وتراجع مستويات الغيرة على المحارم، في ظل تجرؤ أعداد كبيرة من الفتيات والنساء على تجاوز الحدود الشرعية والأخلاقية في الظهور على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يكشفن الكثير مما أمر الله تعالى بستره، ويفعلن بالصوت والصورة ما ينافي الشرع والأخلاق، والأغرب أن محارمهن يشاهدون ذلك، ولا يرون في إثارة بناتهم ونسائهم لشهوات الناس وغرائزهم وخزًا لضميرهم، أو استنفارًا للغيرة والرجولة في أنفسهم، التي باتت تُطبع مع العري والتكشف.
كثافة الصورة
في الآونة الكثير ظهر الكثير من النساء أثناء حفل زواجهن بزي أقل ما يقال عنه إنه فاضح، وذلك في حضور الزوج القادم، والأب والأخ دون أن يشعروا بنوع من الخجل، بل تبدو على وجوههم علامات السعادة؛ لأن تلك الفتاة خطفت أنظار الجميع بما أظهرت وبما أخفت من جسدها، كما أن الكثير من المشاهير ظهر مع زوجته وهي لا تغطي من جسدها إلا ما يستاء الناس من رؤيته، وهذا الشخص تبدو عليه علامات الفخر والرضا.
يشير تقرير صدر في مايو من العام 2025 إلى أنه تم التقاط حوالي (1.9) تريليون صورة عام 2024م، وأنه كل ثانية واحدة تلتقط أكثر من (64) ألف صورة، أي (3.7) مليون صورة في الساعة، وأن 94% من تلك الصور تكون عن طريق الموبايل، ويتم مشاركة (14) مليار صورة يوميًّا على الإنترنت.
هذا الإغواء الكبير لمفهوم البوح بالصورة والفيديو ومشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، يتوازى معه فكرة الربحية؛ فمشاركة الصورة والفيديو يكفل التحصل على أرباح مادية ضخمة، إذا حازت على أعداد كبيرة من الإعجاب، وتم تداولها على نطاق واسع بما يسهل صلاحيتها لجذب الإعلانات، كل هذا أضعف الكوابح الأخلاقية التي تقاوم الإغراء بالتعري وكشف المستور، وأضعف -كذلك- قيم الرجولة التي ترفض أن تكون محارمها مثيرة لشهوات الناس.
الدياثة الرقمية
تعرف اللغة الدياثة بأنها الشيء إذا لان وسهل، ومنه جاء لفظ "الديوث" وهو الذي لا يغار على أهله، ذكر اللغوي "ابن سيده" في معجمه "المخصص" تعريفًا للديوث بأنه" "الذي يُدخِلُ الرِّجالَ على حُرمتِه بحيثُ يراهم"، وقديمًا كان مفهوم دخول الأغراب على النساء من خلال المجالسة والمؤانسة، وكان هذا لا يتعدى أشخاصًا معدودين.
أمـــــا في عالم الرقمية فبعض صور وفيديوهات تلك النساء بما فيها من عري وغياب للستر يدخل عليها مئات الآلاف من الرجال والمراهقين بل والملايين، وتغذي تلك الصور خيال الكثير منهم بالسوء والفحش، خاصة أن صناعة الصورة والمونتاج والإضاءة والموسيقى والصوت أضفت إثارات أخرى على إثارة الجسد، فكان التحريض أعلى، ورغم ذلك لا يُبدي محارم تلك المرأة أو الفتاة أي ملامح للغيرة أو النخوة بل يفتخرون بما تنشره نساؤهم من صور غير لائقة.
ومن هنا فإن الواقع الرقمي أبشع في الدياثة مما كان يجري في الماضي؛ فدياثة السابقين كانت محدودة للغاية مقارنة بدياثة العصر الرقمي.
تشير دراسات نفسية إلى أن تراجع الغيرة على العرض له علاقة بضعف الشخصية، وأنها قد ترتبط بأزمات نفسية، فقد يجد البعض لذة في إهانة ذاته، وقد تكون الدياثة بسبب عوامل اكتسبها من البيئة الاجتماعية التي قد لا ترى أي حرج في التغاضي عن الانفلات الأخلاقي لمحارمهن، بل يعتبر ذلك من قبيل الحرية الشخصية، أو تنفيسًا للكبت عنهن، فلا يرى أي أزمة في هذا الانحراف.
والحقيقة أن الرقمية انتقلت بالدياثة من الحيز المحدود للغاية إلى الآفاق الواسعة في العالم الافتراضي، هذا الانتقال جاء متناغمًا مع وجود ربحية في الفضح والدياثة، ومناخ من الحريات المسمومة يشجع على إهدار الأخلاق والقيم.
روابط ذات صلة: