شروط وضوابط العمل بقاعدة العادة محكمة

Consultation Image

الإستشارة 16/10/2025

ما شروط وضوابط العمل بقاعد العادة محكمة ، هل كل عادة محكمة أم أن هناك شروط وضوابط ؟

الإجابة 16/10/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فقاعدة العادة محكمة من القواعد الفقهية الكلية الكبرى، وهي محل اتفاق لدى جمهور الفقهاء لأنها تعتمد على أثر ابن مسعود رضي الله عنه (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله) حسن، وقوله تعالى ﴿خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].

 

لكنهم وضعوا ضوابط وشروط لا بد من تحققها في العرف أو العادة حتى يكون محكمًا، وإلا لو ترك الأمر بغير ضوابط وشروط لضاع الدين والعياذ بالله، فكثير من الأعراف فسدت الآن، ومن أهم هذه الشروط ألا يخالف العرف الشرع، فإن خالفه فهو عرف باطل أو فاسد لا يعتد به شرعًا.

 

يقول الأستاذ عبد الوهاب خلاف – رحمه الله – في كتابه عن العرف:

 

والعرف عند التحقيق ليس دليلاً شرعيًّا مستقلا، وهو في الغالب من مراعاة المصلحة المرسلة، وهو كما يُراعى في تشريع الأحكام يُراعى في تفسير النصوص، فيخصص به العام، ويقيد به المطلق. وقد يترك القياس بالعرف ولهذا صح عقد الاستصناع، لجريان العرف به وإن كان قياس لا يصح لأنه عقد على معدوم.

 

شروط اعتبار العرف

 

الشرط الأول: أن يكون العرف مطردًا أو غالبًا

 

ومعنى الاطراد: أن يكون العرف مستمرًا بحيث لا يتخلف في جميع الحوادث. ومعنى الغلبة: أن يكون العمل بالعرف كثيرًا، ولا يتخلف إلا قليلاً, ذلك أن الاطراد أو الغلبة يجعل العرف مقطوعًا بوجوده, قال السيوطي: إنما تعتبر العادة إذا اطردت, فإذا اضطربت فلا. وقال ابن نجيم: إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت, ولذا قالوا: لو باع بدراهم أو دنانير, وكانا في بلد اختلف فيه النقود مع الاختلاف في المالية والرواج, انصرف البيع إلى الأغلب, قال في الهداية: لأنه هو المتعارف فينصرف إليه. قال الشاطبي: وإذا كانت العوائد معتبرة شرعًا فلا يقدح في اعتبارها انخراقها ما بقيت عادة في الجملة. وبهذا الشرط يخرج العرف المشترك -هو ما تساوى العمل به وتركه- من الاعتبار، فلا يصلح أن يكون مستندًا أو دليلاً يرجع إليه في تحديد الحقوق والواجبات المطلقة.

 

الشرط الثاني: أن يكون العرف عامًّا

 

وهذا الشرط محل خلاف بين الفقهاء: فذهب جمهور الحنفية والشافعية إلى أنه يعتبر في بناء الأحكام العرف العام دون الخاص.

 

الشرط الثالث: ألا يخالف النصوص الشرعية

 

بمعنى ألا يكون ما تعارف عليه الناس مخالفًا للأحكام الشرعية المنصوص عليها، وإلا فلا اعتبار للعرف، كتعارف الناس شرب الخمر وتبرج النساء والتعامل بالعقود الربوية ونحو ذلك ثم إن مخالفة العرف للنص تأتي على وجهين: فإذا خالف العرف النص الشرعي من كل وجه، فإنه يعمل بالنص، ولا اعتبار للعرف; لأن النص أقوى من العرف، ولا يترك الأقوى لما هو أضعف منه، سواء كان العرف عامًّا أو خاصًّا. وإذا خالف العرف النص في بعض الوجوه; فذهب الجمهور إلى أنه لا يصلح العرف مخصصًا ولا مقيدًا للنص، وذهب الحنفية إلى أن العرف يخصص النص ويقيده.

 

الشرط الرابع: ألا يعارض العرف تصريح بخلافه

 

فإذا صرح العاقدان مثلا بخلاف العرف فلا اعتبار للعرف; لأن من القواعد الفقهية أنه لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح، قال العز بن عبد السلام: كل ما يثبت في العرف إذا صرح المتعاقدان بخلافه مما يوافق مقصود العقد ويمكن الوفاء به صح، فلو شرط المستأجر على الأجير أن يستوعب النهار بالعمل من غير أكل يقطع المنفعة لزمه ذلك، ولو شرط عليه ألا يصلي الرواتب، وأن يقتصر في الفرائض على الأركان، صح ووجب الوفاء بذلك; لأن تلك الأوقات إنما خرجت عن الاستحقاق بالعرف القائم مقام الشرط، فإذا صرح بخلاف ذلك مما يجوزه الشرع ويمكن الوفاء به جاز.

 

الشرط الخامس: أن يكون العرف قائمًا عند إنشاء التصرف

 

وذلك بأن يكون العرف سابقًا أو مقارنا للتصرف عند إنشائه; لأن كل من يقوم بتصرف - سواء كان قوليًّا أو فعليًّا إنما يتصرف بحسب ما جرى به العرف; ليصح الحمل على العرف القائم, فلا عبرة بالعرف الطارئ بعد التصرف. قال القرافي: العوائد الطارئة بعد النطق لا يقضى بها على النطق، فإن النطق سالم عن معارضتها، فيحمل على اللغة، ونظيره: إذا وقع العقد في البيع فإن الثمن يحمل على العادة الحاضرة في النقد، وما يطرأ بعد ذلك من العوائد في النقود لا عبرة به في هذا البيع المتقدم, وكذلك النذر والإقرار والوصية إذا تأخرت العوائد عليها لا تعتبر، وإنما يعتبر من العوائد ما كان مقارنا لها. وقال السيوطي: العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو المقارن السابق دون المتأخر، وقال ابن نجيم بعد أن ذكر عبارة السيوطي: ولذا قالوا: لا عبرة بالطارئ.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

روابط ذات صلة:

العُرف في الشرع متى نحكِّمه في معاملاتنا؟ وكيف نضبطه؟

 

الرابط المختصر :