الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
235 - رقم الاستشارة : 684
14/01/2025
يثير بعض المشككين الشبهات حول تقبيل المسلمين للحجر الأسود والتمسح به، ويقولون أن هذا التصرف من بقايا الجاهلية، وأنه تشبه بعبادة الأصنام فكيف نرد عليهم ؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلا يوجد دين حارب الخرافة والجهل، وحرر الفكر والعقل كما فعل الدين الإسلامي، وقد كانت القضية الكبرى التي جاهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسببها قومه، ونشأت بينهم العداوات، وقامت الحرب هي قضية التوحيد؛ توحيد الله تعالى، ونبذ عبادة الأصنام، والقضاء على كل مظاهر الشرك والوثنية.
وتقبيل الحجر الأسود ليس من أركان الحج ولا من واجاباته، ولكنه سنة من سنن الحج، لا يجب بتركها شيء، ولا بد أن يُفهم هذا الفعل في ضوء القواعد العامة للشريعة الإسلامية التي تحارب كل ما يمت للشرك أو الوثنية بصلة.
وعنوان رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ التوحيد يقول الله تعالى: ﴿وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة: 163).
﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (المائدة: 73).
﴿...أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام: 19).
﴿وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ (النحل: 51).
ولقد قطع عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ هذا الشك الذي ربما يساور بعض المسلمين، ودحض هذه الشبه التي يريد أن يلصقها بالإسلام بعض الحاقدين الحانقين.
فقد ورد في الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قبّل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أما والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقبلك ما قبلتك.
بل من السنة عدم المزاحمة على الحجر، إن كان هذا سيسبب إيذاء للآخرين، حيث لا ضرر ولا ضرار.
والذين يتهمون الإسلام بمثل هذه التهم لا يفهمون طبيعة الإسلام، فإن الذي وضع هذا الحجر في مكانه أول مرة هو الخليل إبراهيم عليه السلام الذي حارب عبادة الأصنام، وعرض نفسه للقتل بأبشع الطرق، وأشدها إيلامًا وهي الحرق بسبب تحطيم الأصنام.
والحكمة من هذا التقبيل هو الاتباع والخضوع لأوامر الله ـ تعالى ـ ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سواء فطن المسلم للحكمة من ذلك أم لا، ولو لم يكن من الحكم في تقبيل الحجر واستلامه إلا أنه من آثار إبراهيم الخليل عليه السلام، أو أنه رمز لتجديد العهد مع الله تعالى، وأنه حجر من الجنة كما وردت بذلك الآثار لكان كافيًا للامتثال، وكان ردًّا على من يتهمون الإسلام بأن فيه بقايا الجاهلية الأولى.
يقول شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله:
بعض الناس يقولون: إن الطواف بالكعبة وتقبيل الحجر الأسود هو من بقايا الوثنية، لا، الحقيقة أن الحجر الأسود هو بداية الطواف، يعني نحن نبدأ الطواف من عند هذا الحجر، والتقبيل عمل رمزي فالحج يتميز بأن فيه اللغة الرمزية، فرمي الجمار مثلاً رمز لمقاومة الشر الذي يتمثل في الشيطان؛ والمسلم يقتدي في هذا بإبراهيم عليه السلام حينما رمى إبليس حينما تعرض له ليثنيه عن ذبح ولده فرماه بالجمار؛ فلذلك نحن حينما نرمي الجمار نتمثل الشر والناس حتى العوام يكادون يتمثلون إبليس "أي كأنهم يرونه" ويقولون هذا إبليس الكبير وإبليس المتوسط وإبليس الصغير، فهذه عملية رمزية، وكذلك تقبيل الحجر الأسود فهو ليس عملاً أساسيًّا أو عبادة.
الإنسان عندما تأتيه رسالة من عزيز عليه أو من حبيب إليه يقبِّلها فهو لا يقصد الرسالة بحد ذاتها ولكن لأنها تحمل كلام الحبيب.
بعض المستشرقين يقول: إن المسلمين يعبدون الحجر الأسود، لا، المسلم يقول: اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاءً بعهدك، وليس بالحجر.
هذا في حين أدخل أهل الجاهلية على الحج بعض الطقوس الوثنية وبعض الأشياء غير المقبولة فكانوا يطوفون عرايا، فجاء الإسلام وقال لا يطوف بالبيت عُريان بعد هذا العام، وهو العام التاسع حينما ذهب سيدنا أبو بكر ورآه سيدنا علي أعلن أبو بكر "لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان"، كانوا يقولون "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك" يقصدون بهذا الشريك الأصنام، فجاء الإسلام ومحى هذا وقال "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "أفضل الدعاء دعاء عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"؛ فهذا يدلنا على أن الإسلام أراد بالحج تثبيت التوحيد لا إدخال طقوس الشرك. فالحمد لله الحج -كما شرعه الإسلام وكما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وكما طبقه- محرر من الشرك تمامًا والحمد لله رب العالمين. انتهي مختصرًا من موقع فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي رحمه الله.
والله تعالى أعلى وأعلم.