23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

بيع الكلاب وتربيتها بين اختلاف الفقهاء ومقاصد الشريعة

الإستشارة 22/01/2025

ما حكم بيع الكلاب وتربيتها ، خاصة في هذه الأوقات التي يتجاوز فيها ثمن الكلاب وتربيتها أرقاما أكبر بكثير من تربية اليتامى والمساكين ؟

الإجابة 22/01/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فقد اختلف الفقهاء قديمًا حول تربية الكلاب وبيعها وشرائها، فمنعها بعض الفقهاء مطلقًا، وأجازها بعضهم مطلقًا، وتوسط بعضهم فأجازوا بيع وتربية الكلب المأذون في تربيته ككلب الصيد المعلم وكلب الحراسة ومنعوا الباقي.

غير أن المسالة في هذا الوقت تحتاج إلى فتوى جديدة، حيث إن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص، وإليك كلام الفقهاء، ثم نتبعه برأينا في هذه المسالة:

ذهب الشافعية والحنابلة، وهو المشهور عند المالكية إلى عدم صحة بيع الكلب، أي كلب كان ولو كان معلمًا، للحديث الصحيح أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «قَالَ لَعَنَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَكَسْبِ الْبَغِيِّ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ» متفق عليه.

وفرّق بعض المالكية بين الكلب المأذون باتخاذه وبين غيره، فأجازوا بيع الأول، واختلفوا في الثاني. وأما الحنفية، فذهبوا إلى صحة بيع الكلب أي كلب كان حتى العقور.

وجاء في المغني: وبيع الكلب باطل، وإن كان معلمًا، لا يختلف المذهب في أن بيع الكلب باطل، أي كلب كان. وبه قال الحسن، وربيعة، وحماد، والأوزاعي، والشافعي، وداود. وكره أبو هريرة ثمن الكلب. ورخص في ثمن كلب الصيد خاصة جابر بن عبد الله، وعطاء، والنخعي. وجوز أبو حنيفة بيع الكلاب كلها، وأخذ ثمنها، وعنه رواية في الكلب العقور، أنه لا يجوز بيعه. واختلف أصحاب مالك، فمنهم من قال: لا يجوز، ومنهم من قال: الكلب المأذون في إمساكه، يجوز بيعه، ويكره...

وجاء في بدائع الصنائع: ولنا: أن الكلب مال، فكان محلا للبيع كالصقر، والبازي، والدليل على أنه مال أنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعًا على الإطلاق فكان مالاً، ولا شك أنه منتفع به حقيقة، والدليل على أنه مباح الانتفاع به شرعًا على الإطلاق أن الانتفاع به بجهة الحراسة، والاصطياد مطلق شرعًا في الأحوال كلها فكان محلاً للبيع؛ لأن البيع إذا صادف محلا منتفعًا به حقيقة مباح الانتفاع به على الإطلاق مست الحاجة إلى شرعه؛ لأن شرعه يقع سببًا، ووسيلة للاختصاص القاطع للمنازعة إذ الحاجة إلى قطع المنازعة فيما يباح الانتفاع به شرعًا على الإطلاق لا فيما يجوز. «وأما» الحديث فيحتمل أنه كان في ابتداء الإسلام؛ لأنهم كانوا ألفوا اقتناء الكلاب فأمر بقتلها، ونهى عن بيعها مبالغة في الزجر أو يحمل على هذا توفيقًا بين الدلائل قوله: أنه نجس العين، قلنا: هذا ممنوع فإنه يباح الانتفاع به شرعًا على الإطلاق اصطيادًا، وحراسة. ونجس العين لا يباح الانتفاع به شرعًا إلا في حالة الضرورة كالخنزير.

 ولنا تعقيب على هذه المسألة، فكلام السادة الفقهاء جيد سواء من أجاز بيع الكلب ومن منعه، لكن الظروف تغيرت الآن وأصبحت تجارة الكلاب ليست مقصورة على رجل يشتري كلبًا لحراسة ماشيته أو زراعته أو بيته، بل انتقلت إلينا العدوى من الغرب والشرق الذي يعتني بالكلاب إطعامًا وتربية وتنظيفًا أكثر من عنايته بالإنسان نفسه، وأصبحنا نسمع عن أرقام لا يصدقها العقل في أثمان الكلاب حسب سلالتها وبلد مولدها، وعايشت الكلاب الناس في سيارتهم الفارهة، وبيوتهم الفخمة حتى يكاد الإنسان يشعر بالغيرة من هذه الكلاب!!

لم تكن هذه التصرفات تخطر ببال الفقهاء القدامى ولو خطرت ببالهم ما ترددوا في تحريم بيعها وشرائها وتربيتها على هذا النحو؛ لأنه من السفه ومن إضاعة المال، وأنه يعارض سلم الأولويات لدى المسلم العاقل ويتنافى مع فقه المقاصد.

 ولذلك لا نتردد في تحريم كل هذه التصرفات، ولا يجوز منها إلا ما يتخذ للحراسة ـ حال الضرورة ـ فالذي ينفق على كلاب الحراسة شراءً وتربيةً وطعامًا وشرابًا يكفي لاستئجار مجموعة من الحراس الذين يعملون بالحراسة ويعولون من وراءهم.

ويمكننا أيضًا جواز بيع الكلاب وتربيتها لو كان يستفاد من بعض هذه السلالات في البحث الجنائي وغير ذلك من الأمور التي تعود بالنفع على عموم الأمة، أما تربيتها من باب الترف والتقليد الأعمى الممقوت فلا يجوز بحال.

والله تعالى أعلى وأعلم