الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
88 - رقم الاستشارة : 1535
08/04/2025
حماتي تحتضر، وطلبت تشوفني وتطلب السماح... بس قلبي مش قادر." أنا كنت متزوجة وعندي خمس أولاد. للأسف، حماتي كانت السبب في طلاقي من زوجي رغم إننا كنا على ذمّة بعض، وزوجته وحدة ثانية لزوجي وأنا كنت ما زلت زوجته، وشوّهت سمعتي قدّامه وأمام الناس. وصلت لدرجة إنها اتهمتني في شرفي! وقالت إن أولادي مش أولاده، وإنهم من رجال غيره... ظلَمتني وظَلمت أولادي، وسبّبت لنا جرح عمره ما اتلم. دلوقتي صار لها أسبوع وهي في حالة احتضار، وأهلها بيجيبوا ناس كبار وإمام المسجد علشان أروح وأسّامحها... بس والله قلبي مش قادر. كل مرة أتذكر اللي عملته فيّ وفي أولادي، بنهار. سؤالي بصراحة: هل لو ما رحتش، أكون آثمة؟ هل لازم أروح وأسّامحها وأنا لسه موجوعة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه وسلم، وبعد:
الأخت الكريمة -إن صح ما قلته عن حماتك- فقد شاء الله تعالى أن يعيد إليك حقك في الدنيا، فلو كانت حماتك صادقة فيما اتهمتك به ما طلبت منك المسامحة أمام الجميع، وأنت مخيرة بين أن تعامليها بالفضل وتذهبي إليها، وفي ذلك من الأجر ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وبين أن تعامليها بالعدل وتتركيها تلاقي جزاء ما اقترفت، ولا أحد يلومك على أي تصرف من هذه التصرفات، ما دمت صادقة في هذه الاتهامات، ومن حقك أن تشترطي أن تبرئك من كل ما نسبته إليك وخاصة الاتهام بالفاحشة حتى تسامحيها، كل هذا يرجع إليك، وإن كانت المسامحة مستحبة لكنها ليست واجبة عليك.
أما ما نقوله لهذه المرأة وكل من يضع نفسه في هذا الموقف أن يتقوا الله في أنفسهم وفي الناس، فقد اعتاد كثير من الناس على ظلم الآخرين، بأخذ مالهم بغير حق، أو سب أعراضهم ثم إذا حانت الوفاة طلبوا المسامحة مجانا، ونسوا ما سببوه للناس من مصائب ومتاعب.
والتوبة من حقوق العباد لها شروط وأركان؛ من أهمها إرجاع الحقوق لأصحابها إن كانت مادية، أو الاعتذار عنها إن كانت معنوية، وهذه المرأة ارتكبت في حق زوجة ابنها كل نقيصة، وأشدها أنها خاضت في عرضها بغير حق، ولو كانت الشريعة مطبقة لجلدت ثمانين جلدة، كما نطقت بذلك آيه سورة النور: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور:4- 5].
وقد اشترط بعض الفقهاء لقبول توبتهم أن يكذبوا أنفسهم ويبرئوا من اتهموهم بغير حق، ورأيهم هو الراجح في هذه الحالة التي ترتب عليها ضرر من طلاق زوجة الابن، والعار الذي لحقها ولحق أولادها بغير حق.
ألا فليسارع المتطاولون على الناس بغير حق، ومن أكلوا أموالهم وشتموا أعارضهم وسفكوا دماءهم إلى التوبة في الدنيا برد الحقوق إلى أصحابها أولا، ثم التوبة إلى الله بالندم على هذه الذنوب والإصرار على عدم العودة إليها؛ فالله قد يسامح في حقوقه لأنه غفور رحيم، وبر حكيم، لكنه لا يسامح في حقوق العباد إلا إذا سامحوا هم فيها.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا. فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه. فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ".
والله تعالى أعلى وأعلم