23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 01/02/2025

سمعنا كثيرا عن غسيل الأموال فما المقصود بهذا الغسيل؟ وما حكمه في الشريعة الإسلامية؟

الإجابة 01/02/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فغسيل الأموال من المصطلحات الحادثة، التي لم تُعرف بلفظها عند الفقهاء القدامى، والمعنى القريب منها في الفقه الإسلامي هو المال الحرام، وكيفية التخلص منه.

 

يقول الدكتور حمدي عبد العظيم في كتابه "غسيل الأموال في مصر والعالم الإسلامي": "إن إشكالية عمليات غسيل الأموال تتم من خلال تصرفات أو معاملات يترتب عليها اختفاء الصفة أو انتفاء الصلة بالمصدر غير المشروع لهذه الأموال والتي تأخذ دورتها العادية في تيار الدخل القومي بعد ذلك". أ .هـ.

 

ويصف الدكتور محمد عبد الحليم عمر عملية غسيل الأموال على النحو التالي: "إن مصطلح غسيل الأموال الذي ظهر على الساحة الاقتصادية الآن يعني القيام بتصرفات مالية مشروعة لمال اكتسب بطرق غير مشروعة عن طريق استخدامه ولمرات عديدة وفي جهات مختلفة وبأساليب عدة في وقت قصير في الاستثمار في أعمال مشروعة، مثل الإيداع في بنوك خارجية وإدخاله بطريقة مشروعة إلى البلاد، أو محاولة إخراجه من البلاد بطريقة مشروعة عن طريق التحويلات الخارجية أو تدويره في شراء عقارات ثم رهنها والاقتراض بضمانها أو تداول المال في البورصات المحلية والعالمية أو إنشاء شركات وهمية وإثبات عمليات مزورة باسمها بهذا المال... وذلك كله من أجل إخفاء المصدر غير المشروع للأموال وتضليل الأجهزة الرقابية والأمنية للإفلات من العقوبات المقررة عن الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها". أ .هـ.

 

الآثار السلبية لما يسمى بغسيل الأموال

 

يقول الدكتور رفيق المصري في كتاب "فقه المعاملات المالية": "هناك آثار سلبية لهذه العمليات، منها استنزاف اقتصاد بلد لحساب بلد آخر، وانخفاض الدخل القومي وهروب المدخرات، وإيداعها في بنوك أجنبية، وانتشار البطالة، وسوء توزيع الدخل، وتؤدي كذلك لانتشار الاستهلاك الترفي وزيادة نسبة التضخم...". أ. هـ.

 

وهذا المال الذي يحدث له الغسيل أو التبييض أو غير ذلك ناتج عن الكسب الحرام شرعًا وقانونًا، وإلا لم يكن المسلم في حاجة إلى غسله، أو تبييضه كما يزعمون.

 

والشريعة لها طريقها، وفلسفتها الواضحة في التعامل مع المال الحرام، وهذه الفلسفة تتلخص في الخطوات التالية:

 

أولاً: سدت الشريعة الإسلامية الطرق الموصلة للمال الحرام، فحرّمت الغش، والتدليس، والغرر، وكل ما يؤدي إلى الجهالة، كما حرّمت الربا والقمار والميسر، وحرّمت تجارة المخدرات والمفترات، والبغاء والدعارة، وحرّمت أيضًا الرشوة بكافة صورها وأشكالها.

 

ثانيًا: جعلت حفظ المال من المقاصد العامة في الشريعة الإسلامية وبالتالي شددت العقوبة على من يعتدي عليه، وجعلت حد السرقة من الحدود التي لا يجوز لأحد أن يشفع فيها، يقول الله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (المائدة: 38).

 

وقد أراد أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ أن يشفع في المرأة المخزومية التي أراد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قطع يدها بعد أن سرقت فغضب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سَرق فيهم الشريف، تركوه، وإذا سَرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدِّ، والذي نفسُ محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سَرقت لقطعتُ يدها" (رواه البخاري ومسلم).

 

ثالثًا: جعلت من شروط التوبة إن كان الذنب يتعلق بحد من حدود الله تعالى أن يقلع المسلم عن الذنب، ثم يندم على فعله، وينوي عدم العودة إليه أبدًا، ويضاف إلى هذه الشروط إرجاع الحقوق إلى أصحابها إذا كان الذنب متعلقًا بحقوق العباد، وبالتالي لا تُقبل التوبة من المال الحرام إلا بعد إرجاعه إلى أصحابه، أو طلب مسامحتهم عليه.

 

رابعًا: وضعت الطريق العادل للتوبة من المال الحرام في حالة عدم القدرة على الوصول لأصحابه، إما لكثرتهم كمن يأكل الرشوة لفترات طويلة من أناس كثر لا يمكنه معرفتهم أو الوصول إليهم، وإما لضياع المال الذي أخذه منهم وعدم القدرة على إرجاعه، وفي الحالة الأولى يجب عليه إنفاق المال إن كان قادرًا عليه في أوجه البر والصدقات وسيصل أجره وثوابه إلى أصحابه، وفي الحالة الثانية وهي عدم المقدرة عليه أن ينوي أداء المال، ويصدق في نيته حتى ييسر الله له طريق الأداء أو يرضي عنه خصومه في الآخرة.

 

وهذا هو التطهير الحقيقي للمال الحرام، أما ما يُعرف بالغسيل أو التبييض، فهذا التصرف لا يبيض المال، ولا يغسل الحرام وسيحمل وزره في الدنيا والآخر.

 

فإن الرسول المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبرنا أنه لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع... منها ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه.

 

وخلاصة القول في قضية غسيل الأموال من المنظور الإسلامي أنه يجب التخلص من الأموال القذرة الخبيثة الحرام فورًا في وجوه الخير وليس بنية الصدقة من ذلك المال، وذلك بعد التوبة والاستغفار والعزم الأكيد على عدم العودة، كما يجب مضاعفة الأعمال الصالحة، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ (الفرقان: 70، 71)، ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (رواه الطبراني).

 

والله تعالى أعلى وأعلم