22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

حكم الجهاد من أجل الغنائم

الإستشارة 27/01/2025

هل يقبل جهاد من يقاتل لله وفي سبيل الله تعالى وللحصول على الغنائم أيضًا؟ أم لا بد أن يكون الجهاد لله فقط دون انتظار الأجر والغنيمة في الدنيا؟

الإجابة 27/01/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فالأصل أن تكون نية المسلم خالصة لله تعالى، لا يلتفت فيها إلى مغنم من مغانم الدنيا قط، بل يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا، لكن لو جاء تبعًا لهذا الجهاد من أجل الغنيمة أيضًا، بحيث لو دُعي إلى جهاد لا غنيمة فيه أجاب، فهذا لا يحبط العمل وإن كان ينقص الأجر، وفي المسألة خلاف بين العلماء يمكن مطالعته في هذه الفتوى.   

وعلى المسلم أن يخلّص نيته لله تعالى في كل أعماله عامة، وفي الجهاد في سبيل الله تعالى خاصة، حيث إنه يبذل النفس والمال لينال الأجر والثواب من الله تعالى في جنة عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

يقول الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ (البينة: 5).

ولقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه الشيخان وغيرهما: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

وهذه تجارة رابحة، ورزق مضمون، وبيعة مع الله فيها فلاح الدنيا والآخرة يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ (التوبة: 111).

ولذلك اختلف الفقهاء حول من يجاهد في سبيل الله تعالى طمعًا في جنته، وهربًا من ناره، ولكنه يقاتل للمغنم أيضا فقال بعضهم لا أجر له عند الله فقد أخذ نصيبه في الدنيا، وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري ومسلم بسندهما عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: "إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مستفهمًا: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذِّكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله".

وقال بعضهم نيته صحيحة إن كان الأصل هو الخروج في سبيل الله تعالى بحيث لو دُعي إلى قتال لا غنيمة فيه لذهب إليه، وإنما تأتي الغنيمة تابعة وليست أساسية، يقول الإمام أبو حامد في الإحياء: "إن كان البعث الأصلي هو إعلاء كلمة الله تعالى، وإنما الرغبة في الغنيمة على سبيل التبعية، بحيث لو لم تكن غنيمة لما ترك الغزو، فإن هذا لا يحبط به الثواب، نعم لا يساوي ثوابه ثواب من لا يلتفت قلبه إلى الغنيمة أصلا، فإن هذا الالتفات نقصان لا محالة".

وكذلك صرّح القرطبي بصحتها واستشهد بخروج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة بدر فقد كان بسبب استرداد بعض حقوقهم من القافلة التي كان يقودها أبو سفيان.

ومما يدل على ذلك ترغيب الله تعالى في الغنيمة في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: ﴿وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ (الفتح: 20).

والحديث السابق الذي نفى أن يكون المجاهد في سبيل الله من يبتغي المغنم خاص بمن يبتغي المغنم وحده بحيث لو دُعي إلى قتال لا غنيمة فيه لن يذهب إليه.

والله تعالى أعلى وأعلم