الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
81 - رقم الاستشارة : 1466
30/03/2025
أنا لاجئة سورية أعيش في السويد منذ سنوات طويلة أتقنت فيها اللغة وحصلت على عملي الخاص وما زال زوجي (الذي هو ابن عمي) يتعامل معي كما يتعامل في الوطن بالتعنيف اللفظي وأحيانا البدني، وعندما أثور عليه يتهمني بأنني أصبحت مستغربة لا زوجة مسلمة، وأنا كرهت هذا الإرهاب وأفكر جديًّا في الطلاق، خاصة أنني لن أحتاجه في شيء وأمامي تجارب ناجحة لنساء مطلقات وناجحات.. فما رأيكم؟
أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك وبكل نساء الشام على الشبكة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع.. آلمتني رسالتك جدًّا أختي الغالية لأكثر من سبب ومثلّت لي نموذجًا لتحدٍّ صعب تعيشه الأسرة المسلمة في المهجر.
الحقيقة أن الخلق الإسلامي ليس له علاقة بالمكان الذي يعيش فيه الإنسان؛ فالأخلاق طبيعتها أن تكون مثالية تترفع عن ضغوط المكان والزمان، والأخلاق في الإسلام ليست جزءًا من الضمير الديني فحسب بل هي مركزية من مركزيات الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وفي رواية أخرى: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق"، فكأن الكمال الخلقي هو الغاية من الدين.
ولا شيء يتجسد فيه ذلك الكمال الخلقي أكثر من العلاقة بالأهل عمومًا والزوجة خاصة (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).. لماذا؟ لأن الإنسان يستطيع تمثيل حسن الخلق ومكارم الأخلاق أمام الغرباء بل ويبدو في صورة مثالية تمامًا، وإنما مع الأهل مع الزوجة التي تراه عن قرب وفي كل أحواله لا يستطيع أن يمثل عليها الكمال الخلقي ولا حتى يستطيع الاقتراب منه؛ ففي علاقة الزواج يتكشف الإنسان نفسيًّا وخلقيًّا بطريقة لا يمكنه فيها الإدعاء.. طريقة كاشفة لنصيبه من الخيرية الحقيقية؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله، حتى أنه لم يضرب قط بيده لا زوجة ولا حتى خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله..
لقد كان صلى الله عليه وسلم يعيش في بلاد صحراوية لم يكن للنساء فيها حق أو صوت، ولربما كانت بعضهن يضربن بالسوط كالعبيد.. بلاد كانت ترى النساء أسوأ من نكرة حتى وصل الأمر للقتل المادي دون لوم أو عتاب، ولكن الأخلاق التي جاء بها الإسلام لم تضع في اعتبارها ذلك الواقع المزري الذي تعيشه النساء فجاءت على أعلى مستوى يستطيع الإنسان تحقيقه إن لم يكن بوازع الضمير فليكن بوازع التشريع والحلال والحرام.
هذه الأخلاق التي تستطيع حتى هذه اللحظة التفاعل مع أي بيئة إنسانية على سطح هذا الكوكب.. وإن كانت أوربا تتفاخر بحقوق النساء فيها فحقوق المرأة في الإسلام وطبيعة الأخلاق التي ينبغي أن يتم التعامل معها على أساسها لا تقل درجة بل العكس تزيد درجات؛ فالمرأة المسلمة هي موضع اهتمام وتتمتع ببيئة حاضنة حامية وغير متروكة للفردانية المقيتة تستهلكها كما يحدث لنساء أوربا.
لماذا أقول هذا الكلام كله؟ لأنه آلمني وبشدة مغالطة زوجك أنك أصبحت مستغربة لا امرأة مسلمة؛ لأنك ترفضين التعنيف اللفظي والبدني وكأن المرأة المسلمة مستباحة.. أنا عندما أقدم نصيحة لزوجة بالصبر والتحمل واعتبار أنها في جهاد وأنها على ثغر من الثغور فلا يعني هذا إقرارًا بعنف من أي نوع يقع عليها، ناهيك عن تأصيله واعتباره جزءًا من التشريع، وإنما هو مراعاة للواقع ومراعاة لفقه الأولويات والفارق شاسع بين المعنيين.
الاندماج والطلاق
على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة فإن كثيرًا من المؤشرات تبين بوضوح أن هناك ارتفاعًا ضخمًا بين المهاجرين واللاجئين في معدلات الاطلاق، وأحد أهم الأسباب التي تقف وراء ذلك هو ما ذكرته في رسالتك أن اندماج النساء في المجتمع الجديد بما يحمله من فرص تُحدث حالة من اهتزاز الرؤية.
دعيني أؤكد لك في البداية أنني أرفض أي صورة من صور التعنيف اللفظي أو البدني تقع عليك ولا ولن أدعوك للقبول بهذا، لكن فقط أريدك أن تنظري للصورة نظرة واسعة.. النساء في القارة العجوز وعلى الرغم من حزمة الحقوق الهائلة اللاتي يتمتعن بها يعشن وحيدات ويرفضن الإنجاب ويعشن في حالة من اللهاث الدائم لتأمين حياة كريمة لا يعطلها طفل عن ترقية، بل إنهن لا يمتلكن من فائض الطاقة ما يؤسسن به عائلة.. فتجدين علاقات عابرة أو زيجات انتهت بالطلاق وأطفالا في حالة تناقص.
لكن بالنسبة لك كزوجة مرهقة تبدو حياتهن أكثر بريقًا بلا زوج متحكم أو مسيطر أو غاضب وبلا ضغوط ثقيلة أو مسئوليات ربما تجدين أنك ملتزمة بها، والآن وقد أتقنت اللغة وحصلت على عمل مربح بدأ السؤال يلح على رأسك خاصة والكثيرات قد سبقنك إليه بالفعل وربما انبرين بالدفاع عنه...
أعرف صفحات متخصصة تحكي فيها صاحبة الصفحة تجربتها مع الطلاق وكيف كانت نقطة تحول إيجابية في حياتية وتقدم حلاً لكل مشكلة تواجهها المطلقة مع كثير من التعليقات من نوعية لماذا تصبرين؟ هل أنت مازوخية تحبين تعذيب نفسك؟ اهربي من هذه الحياة وهكذا.. ولا شك أن تجربة الطلاق في المهجر أسهل فهو الأصل في الحياة هناك.. لا يوجد أي ضغط اجتماعي.. لديك دخل جيد وغالبًا ما تقدم لك الدولة مساعدات وإعانات.
لكن السؤال الذي أريد لك التفكير فيه بعمق هل هذا هو ما تريدنه فعليًّا؟ هل هذا هو القرار المناسب لأسرتك؟ هل هذا ما كنت تنتوين وتخططين له وأنت تلجئين لتلك البلاد؟ أم كان لديك مخططات أخرى.. حاولي تذكر أحلامك القديمة وقارنيها بما تعيشينه في اللحظة الراهنة.
الحوار هو الحل
أختي الفاضلة، أنت بحاجة لجلسة حوار حقيقية مع زوجك.. جلسة بعيدة عن قائمة الاتهامات.. جلسة تختارين وقتها بعناية وتكونين دقيقة في انتقاء كل كلمة تقولينها.. جلسة حوار يمتزج فيها العقل بالعاطفة وتمنحين فيها أكثر مما تأخذين.. زوجك بحاجة للتقدير.. بحاجة أن يشعر أنه وإن كان في المهجر فإنه يحصل على نفس الحقوق والاحترام وأنه يجد الوطن في البيت.. يريد أن يشعر أنك ما زلت تحبينه وتهتمين بأمره وأن عملك ودخلك لم يؤثرا عليك.. بحاجة لرسالة طمأنة.. فربما ما يقوم به من سلوكيات سيئة هو رد فعل ساذج لمخاوفه تلك..
ونحن نريد لجلسة الحوار هذه أن تكون جلسة طمأنة لمخاوفه كلها النفسية والعاطفية، ثم هي جلسة تناقشين معه فيها موقف الإسلام من المرأة وسلوك نبي الإسلام معها، وأنك تطالبين بحقك كامرأة مسلمة لا كامرأة مستغربة، وأن السب والعنف اللفظي سلوك مستهجن فـ (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)، وأننا مأمورون بأن نقول للناس حسنًا، فما بالنا بالزوجة التي هي جزء من النفس، وهكذا، ويمكن أن تلمحي في نهاية الجلسة أنه لا يُسمح للشيطان أن يدخل بينكم ويسعى لتخريب أسرتكم.
وتذكري دائما أنك على ثغر من الثغور، وتذكري غاليتي هذا الحديث الذي رواه المسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت"، أسعد الله قلبك وتابعيني بأخبارك.