الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
157 - رقم الاستشارة : 1159
28/02/2025
أنا متزوج من امرأة صالحة، وهي تُظهر رغبة قوية في العلاقة الزوجية، وتطلبها أو تلمّح إليها كثيرًا، حتى في أوقات قد لا تكون مناسبة لي. وأنا، من باب الحرص على إعفافها وتلبية حقوقها المشروعة، أحاول الاستجابة لها قدر استطاعتي، لكنني أجد صعوبة أحيانًا بسبب ظروف الوقت أو الإرهاق.
كيف يمكنني تحقيق التوازن بين تلبية احتياجاتها الزوجية وبين مراعاة ظروفي الشخصية دون أن أشعرها بالإهمال أو الجفاء؟
وهل هناك توجيهات عملية تعينني على التعامل مع هذا الأمر بحكمة وحُسن معاشرة؟
أخي الكريم، مرحبًا بك، ونشكرك على ثقتك بنا، ونسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا لمساعدتك، وبعد...
فإنك لم تذكر في رسالتك بعض المعلومات المهمة التي قد تساعد في فهم المشكلة بشكل أدق، مثل سنك وسن زوجتك، ومدة زواجكما، وهل لديكما أبناء أم لا؛ لكن على أية حال، إن كان الأمر كما تصفه دون مبالغة منك، فهذا بالفعل يعدّ شيئًا غير معتاد في أغلب النساء؛ لكنه ليس بالضرورة أمرًا خاطئًا أو مذمومًا، فقد يكون بسبب طبيعتها الفسيولوجية، أو لعوامل نفسية واجتماعية لديها، أو حتى صحية، تحتاج إلى تعامل خاص.
وهنا لا بد من التأكيد على أن زوجتك -بحالها هذه- ليست مذنبة ولا مخطئة، فهي تطلب حقها المشروع الذي أقره الله لها. فكما أوجب الشرع على الزوجة تلبية رغبة زوجها، فقد جعل لها حقًّا مماثلًا على زوجها، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِی عَلَیۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ﴾ [البقرة: 228] أي: لهنّ على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤدِّ كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف.
وقد ورد في السُّنة النبوية ما يدل على ذلك أيضًا، حيث قال النبي ﷺ: «وفي بُضع أحدكم صدقة» فقالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» [رواه مسلم].
والإسلام –عمومًا- دين الرحمة والواقعية والتوازن، ولم يوجب على أحد شيئًا فوق طاقته، أو زيادة على وسعه، وقد أقر النبي ﷺ نصيحة سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما، عندما قال: «إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» [رواه البخاري]. فالحقوق بين الزوجين تجب مراعاتها؛ لكن ضمن قدرة الإنسان، ومن دون أن يقع أحد الزوجين في حرج أو عنت.
وبما أن طلب زوجتك للعلاقة بهذه الصورة يوقعك في الحرج أحيانًا، فمن الأفضل التعامل معه بأسلوب يجمع بين الاحتواء والتوجيه الحكيم، وذلك من خلال:
1- الحوار الهادئ والتفاهم المشترك:
ينبغي أن يكون هناك حديث صريح بينكما ولكن برفق، بحيث توضِّح لها أنك تحبها، وتحب قُربها، وترغب فيها كما ترغب هي فيك؛ لكنّ هناك أوقاتًا قد لا تكون مناسبة لك، بسبب التعب الجسدي، أو الانشغال الذهني، أو ضيق الوقت. يمكنك أن تقول لها مثلاً: «أنا سعيد بحبك واحتياجك لي، وهذا يسعدني، لكن أحيانًا أكون متعبًا أو غير مستعد، وأرغب في أن يكون لقاؤنا في وقت أكثر مناسبة حتى نستمتع به معًا دون منغصات».
2- ترشيد العلاقة إلى الاعتدال:
فليس المقصود كبت رغبتها، أو مباعدة أوقات العلاقة، وإنما ترشيدها وضبطها حتى لا تؤثر على الجوانب الأخرى من حياتكما. ويمكن ذلك من خلال:
- شرح أهمية التوازن: أخبرها أن الإسراف في العلاقة قد تكون له أضرار صحية ونفسية، وأن خير الأمور أوسطها، فالإفراط في أي شيء قد ينقلب إلى ضده.
- البحث عن أوقات مناسبة: يمكن الاتفاق على أوقات تناسبكما معًا، بحيث يكون هناك توازن بين تلبية الحاجة وبين عدم التأثير على الأنشطة اليومية والمسؤوليات الأخرى.
- تعزيز التقارب العاطفي بوسائل أخرى: فأحيانًا يكون احتياج الزوجة ليس مجرد الجماع، بل الرغبة في القرب والاهتمام؛ لذا فإن تعويض ذلك بالعناق، والحديث اللطيف، والمشاركة في الأنشطة اليومية يمكن أن يساعد في تحقيق التوازن، دون الضغط المستمر على العلاقة الجسدية المباشرة.
3- إشغال وقتها بأنشطة مفيدة:
إذا كان لديها وقت فراغ كبير يجعلها تفكر كثيرًا في هذا الجانب، فيمكنك مساعدتها على ملء وقتها بأمور أخرى، مثل:
- القراءة أو تعلم شيء جديد.
- ممارسة الرياضة أو أي هواية مفيدة.
- المشاركة في أنشطة اجتماعية أو زيارات عائلية.
- التركيز على مسؤوليات أخرى داخل المنزل أو خارجه.
4- العناية بصحتك واستعدادك الجسدي:
بما أن زوجتك لديها رغبة قوية، فمن الأفضل أن تهتم بصحتك الجسدية لتكون أكثر قدرة على التفاعل معها دون إرهاق أو ضغط نفسي. ومن أهم النصائح لذلك:
- تناول طعامًا صحيًّا متوازنًا، وابتعد عما يضرك جسدك منه.
- ممارسة الرياضة بانتظام؛ لأنها تحسن القدرة البدنية والنشاط العام.
- النوم الجيد، فقلة النوم تؤثر على الأداء الجسدي والذهني.
- تجنب التوتر الزائد؛ لأنه قد يؤثر على الحالة المزاجية والرغبة الجنسية.
5- الفحص الطبي:
إذا شعرت أن رغبتها شديدة جدًّا (أي فوق الطبيعي المعتاد) بشكل يؤثر على حياتكما، فمن المفيد استشارة طبيب أو طبيبة مختصة، فهناك حالات طبية قد تسبب زيادة غير طبيعية في الرغبة الجنسية، وقد تكون هناك حلول طبية أو نصائح تساعد في تحقيق التوازن دون أن تؤثر على حياتكما الزوجية.
6- الدعاء وطلب العون من الله:
أولًا وأخيرًا، الدعاء سلاح عظيم في كل أمور الحياة، خصوصًا في الأمور التي تحتاج إلى ضبط النفس والتوازن. يمكنك أن تدعو الله أن يرزقكما التفاهم والاعتدال، وأن يجعل بينكما المودة والرحمة. وكان النبي ﷺ يقول في دعائه: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى» [رواه مسلم].
وختامًا –أخي الكريم- الحل في التفاهم والتوازن، حتى تكون العلاقة بينكما مصدر سعادة، ولا تمثل ضغطًا نفسيًّا إضافيًّا.
أسأل الله أن يبارك لكما، ويوفقكما لحياة سعيدة قائمة على المودة والرحمة والسكينة والرضا، وأن يرزقكما التفاهم والتوازن في كل أموركما.