الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
93 - رقم الاستشارة : 1427
25/03/2025
أنا متزوجة منذ 28 عامًا، ومنذ بداية زواجي وأنا أواجه صعوبات كثيرة، سواء في التفاهم أو الدعم المادي أو حتى في المعاملة. تحملت كثيرًا من أجل أولادي ومن أجل الحفاظ على أسرتي. طوال هذه السنوات، كان زوجي دائم التأجيل والاعتماد عليّ في تحمل المصاريف والواجبات، حتى أنني صرفت جلّ ما ورثته على أبنائي وبيتي، ولم أندم لأنني أعتبر ذلك واجبًا أمام الله.
لكن المشكلة الكبرى في معاملته السيئة لي ولأولادي، سواء بتجاهله أو بأسلوبه القاسي والجارح، مما أثر على نفسيتي وعلى نفسية أولادي الذين أصبحوا يعانون من الإحباط.
الآن، وبعد سنوات من الصبر والتضحيات، أشعر أنني فقدت طاقتي ولم أعد أتحمل هذه المعاملة، وأفكر جديًا في طلب الطلاق بعدما وصلت الأمور إلى حد لا أستطيع معه الاستمرار.
أرجو منكم مشورتكم، هل من نصائح تساعدني في اتخاذ القرار الصحيح؟ وهل من خطوات عملية أستطيع اتخاذها للحفاظ على نفسي وأطفالي في ظل هذه الظروف؟
أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة على البوابة الإلكترونية للاستشارات.. قرأت حبيبتي رسالتك أكثر من مرة وأعجبت كثيرًا بصبرك وصمودك وإيثارك طيلة هذه السنوات، وأريد أن أبشرك ببشرى أن ما أنفقته من مالك وميراثك على بيتك وأولادك قد نلت به الأجر مضاعفا بمشيئة الرحمن.
وتأملي غاليتي هذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "كُنْتُ في المَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ ولو مِن حُلِيِّكُنَّ. وكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ علَى عبدِ اللهِ وأَيْتَامٍ في حَجْرِهَا، قَالَ: فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللهِ: سَلْ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيَجْزِي عَنِّي أنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وعلَى أيْتَامٍ في حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أنْتِ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ علَى البَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بلَالٌ، فَقُلْنَا: سَلِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيَجْزِي عَنِّي أنْ أُنْفِقَ علَى زَوْجِي وأَيْتَامٍ لي في حَجْرِي؟ وقُلْنَا: لا تُخْبِرْ بنَا، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَن هُمَا؟ قَالَ: زَيْنَبُ، قَالَ: أيُّ الزَّيَانِبِ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عبدِ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، لَهَا أجْرَانِ: أجْرُ القَرَابَةِ، وأَجْرُ الصَّدَقَةِ".
هذا الحديث روته زينب زوجة عبد الله بن مسعود وهو من هو في الصحابة، لكنه كان رجلاً فقيرًا وكانت هي سيدة تملك المال، فلما كانت في المسجد وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر النساء بالصدقة حتى أنه في رواية أخرى طلب منهن الصدقة ولو من حليهن، خشيت زينب أن تكون نفقتها في البيت لا تحسب صدقة باعتبارها تنفقها على نفسها وبيتها فطلبت من زوجها عبد الله بن مسعود أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، ويبدو أنه شعر بالإحراج كون الأمر يمسه كرجل وجب عليه النفقة فرفض السؤال فذهبت هي وسألت وجاءتها البشرى أنها تحصل على أجرها مرتين، مرة أجر الصدقة ومرة أجر الصلة والقرابة.
لذلك أريدك أنت أيضًا أن تستبشري أن ما أنفقته طيلة هذه السنوات كتب الله لك به عملاً صالحًا مضاعفًا.. أعلم أنك رضيت بما أنفقت ولكنني استشعرت من كلماتك أن بداخلك جزءًا غير راض أو جزءًا يشعر بالحسرة أو جزءًا يشعر بالندم أنه قدم ما قدم مع مثل هذا الرجل، وعليك أن تتخلصي من أثر أي شعور يشبه ذلك وتكتفي بالبشرى أن لك أجرين على ما قدمت.
سيئ الطباع
أعلم أن مشكلتك الحقيقية مع هذا الرجل تمثلت في سوء طباعه والتي حددتها أنت في ثلاث نقاط:
* التجاهل
* الكلام القاسي
* الكلام الجارح
إذن نحن أمام حالة عنف لفظي، والحمد لله الذي عافاكم من التعنيف البدني، وبالتأكيد لا أستهين بالتعنيف اللفظي وما يتركه من آثار بالغة السوء، لكنني فقط ألفت نظرك أن هناك منحنى آخر أكثر خطورة قد نجاكم الله منه.
ما لفت نظري أنك تفكرين في الطلاق بعد السنوات الطويلة لأجل أطفالك كما ذكرت في رسالتك أنهم يعانون من الإحباط، بينما أعتقد أن أولادك قد وصلوا بالفعل لمرحلة الشباب.. لا شك أنهم تأثروا بأسلوب والدهم القاسي، ولا شك أن ما قاله لهم ترك آثاره على شخصياتهم سواء ضعف ثقة بالنفس أو بعض الاضطرابات العميقة في الشخصية وهم قادرون بعد الاستعانة بالله تعالى من التخلص الواعي من هذه الآثار.
أختي الغالية، أنت لست بحاجة أن تقدمي هذا التبرير (إحباط أطفالك) كمسوغ لرغبتك في طلب الطلاق.. أنت نفسك قد أرهقت وأحبطت من هذا الرجل، لكن السؤال المركزي هو هل الطلاق هو الحل؟
ليس حلاًّ
بعد زواج دام لمدة ٢٨ سنة هناك اعتبارات كثيرة ينبغي أن تضعيها في اعتبارك يأتي على رأسها الصورة الاجتماعية لكم كأسرة، وهي صورة تمثل أهمية لأولادك خاصة البنات منهن، فوجود كيان أسري مستقر يمثل مصدرًا للقوة الاجتماعية حتى لو كانت قوة ظاهرية شكلانية إلا أن تجاهلها يعد أمر غير واقعي تمامًا، هذه نقطة عليك أن تضعيها في الاعتبار وأنت تتخذين قرارك.
النقطة الثانية المهمة هو أنه لن يصبح زوجك بعد الطلاق بالتأكيد، لكنه سيظل والدًا لأبنائك؛ فالطلاق لن يفصم علاقة الأبوة وسيظل يتكلم معهم بنفس الأسلوب وسيظلون يشكون لك، الفارق أنك لن تستطيعي التدخل بأي صورة لأنه لن يكون لك أي صفة.
خطوات عملية
سألتني في نهاية رسالتك هل هناك أفكار أو خطوات عملية للحفاظ على نفسك وأطفالك في هذه الظروف وهذا يعني أنك في قرارة نفسك تشعرين أن خطوة الطلاق خطوة غير واقعية. والحقيقة أنه نعم يوجد أفكار وخطوات يمكنك اتخاذها وإليك بعضها:
* عندما يتجاهلك زوجك لا تلحي عليه في السؤال (مالك؟ ماذا حدث؟ ما الذي ضايقك؟ مم أنت غاضب؟) تجاهلي تجاهله وتعاملي معه بشكل طبيعي وتلقائي تمامًا.. اتركيه حتى يهدأ من تلقاء نفسه، والحمد لله أنت لست بحاجة مادية له تجبرك على أن تفتحي معه حديثًا عندما يكون في حالة التجاهل هذه.. المهم ألا تكوني له ظالمة وأن تمنحيه حقه كزوج كاملا وألا تتعاملي معه بأي صورة من صور الاستهانة أو الاستهزاء حتى لا تكوني أنت الظالمة.
* عندما يبدأ في توجيه كلماته القاسية قومي أنت بتجاهله، قومي ببناء حائط صد حولك، اصرفي تفكيرك لأمر ثان.. استغرقي في الذكر والاستغفار بصورة هامسة أو تنفسي بعمق وركزي على عملية التنفس، لاحظي الشهيق والزفير، وقولي سبحان الله، المهم أنك تنفصلين شعوريًّا عما يقوله لك من كلمات قاسية أو مؤذية.
* أما عندما يبدأ في حديثه الجارح فعليك أن توقفيه.. اصمتي ثانيتين وانظري في عينيه مباشرة وقولي له بنبرة حازمة لا أسمح لك.. كلامك مرفوض.. يمكنك تهديده أيضًا أن فرصه معك أوشكت على الانتهاء، واتركيه وغادري ولا تقفي لتسمعي هذه النوعية من الكلام.
أيضا يمكنك أن تتعلمي فنون الرد.. مثلا هو يقول لك أنت كذا وكذا فتبتسمين ابتسامة رائقة وتقولين له أنا؟ أو سبحان الله أنت من تقول هذا.. أو أنا معجبة بنفسي هكذا، وابتسامتك الحلوة تزين وجهك، وأيضا اتركيه وغادري ولا تتورطي معه في شجار.
وأخيرًا، أنصحك بالإكثار من الاستغفار والتسبيح حتى يتسع خزان صبرك وتحملك الذي تشعرين أنه قد ضاق بك بعد كل هذه السنوات.
كتب الله لك الخير، وأصلح بينك وبين زوجك، ولا تملي الدعاء في أوقات الاستجابة أن يصلحه الله عز وجل وأن يؤلف بين قلوبكما؛ فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، فلا تيأسي من رحمة الله تعالى، وتابعيني بأخبارك.