الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
28 - رقم الاستشارة : 969
13/02/2025
أنا شاب عمري 22 عام أدرس طب الأسنان في روسيا وأنا بفضل الله حريص على إقامة الصلاة وقراءة القرآن الكريم وكل ما يحيط بي مثير للفتنة وكثير ممن أعرفهم وقعوا في علاقات محرمة.. الآن أنا أريد الزواج من روسية حتى أتجنب الفتن وأحقق العفاف لنفسي ووالدي رافض الفكرة وبعد كثير من الإلحاح مني وافق بشرط أن تكون روسية مسلمة والمدينة التي أعيش فيها لا يوجد فيها مسلمون إلا قليلا ومعظمهم لا يعرفون شيئا عن الدين فهل أتزوج من روسية مسيحية وأتجاهل كلام والدي أم ماذا أفعل فأنا لا أريد ارتكاب الذنوب والكبائر.. أفيدوني بالله عليكم
ابني الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على بوابة الاستشارات الالكترونية لمجلة المجتمع.. سعيدة جدًّا يا بني بحرصك على أداء فروض دينك وحرصك على الحفاظ على حدود الله في مجتمع يمتلئ بالفتنة.. وفكرة الزواج لإعفاف نفسك فكرة جيدة جدًّا، وخيرًا فعلت بالاستشارة؛ لأنه وإن كان الزواج حماية لك من الوقوع في المحرمات فإن الزواج هذا له شروطه ونحن بحاجة للحديث والنقاش فيها.
لا شك أن الهدف الأول من الزواج هو إشباع الغريزة بطريقة شرعية، وهذه الغريزة واحدة من أقوى الغرائز البشرية ومصنفة أنها في قاعدة هرم الاحتياجات الإنسانية، وعلى الرغم من ذلك فإن الإنسان السوي يستطيع أن يقوم بتأجيل هذا الإشباع عندما لا تتوافر الظروف المناسبة، وفي الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)، فعدم استطاعة الزواج لا يمكن ترجمتها للوقوع في الذنوب والكبائر.. بل عدم استطاعة الزواج تعني الأخذ بالأسباب التي تفضي للصبر وأهمها الصوم.
ومن عمرك يبدو لي أن لك بالفعل عدة سنوات في روسيا قمت فيها بالفعل بممارسة الصبر، فما الذي يدفعك الآن بالذات للتفكير في الزواج وأنت قد أوشكت بالفعل من الانتهاء من دراستك؟
القرار والثمن
بني الكريم، أنت الآن على درجة من النضج تجعلك تحسن التفكير في الثمن الذي ندفعه مقابل القرار الذي نتخذه.. أنت الآن تفكر في الزواج من روسية وهذا الزواج لن يكلفك من الناحية المادية إلا القليل وسيحقق لك الإشباع الغريزي، وقد يساعدك في البقاء في هذه البلاد إن كان هذا ضمن مخططاتك (وإن كنت من صيغة سؤالك شعرت أنك لا تريد البقاء هناك، حيث لمست من كلماتك أنك تعاني من قسوة أن تعيش وسط الفتن ودون وجود جالية مسلمة داعمة).. هذه هي مميزات الزواج من فتاة روسية.. وهو زواج مباح إن كانت الفتاة من أهل الكتاب (مسيحية) (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) [المائدة: 5].
وعلى الرغم من الإباحة فقد كرهه كثير من أهل العلم، وكان عمر بن الخطاب يرفضه رغم إباحته للأضرار التي تترتب عليه وهي كثيرة جدًّا أوضحها تأثير الأم على أبنائها (هذا والمجتمع وقتها تسود فيه ثقافة الإسلام فما بالك وأنت الغريب في هذه البلاد)...
هل أدركت الآن يا بني مما يشفق عليك الوالد؟ ولماذا يرفض زواجك بفتاة غير مسلمة؟ إنه لا يتعسف معك ولا يفرض عليك وصايته وقد بلغت الثانية والعشرين، وإنما هو خائف عليك.. خائف على دينك.. خائف مما سيترتب على هذا الزواج ومشفق أنك لن تعرف سكنًا فيه.
مباح ولكن
يا بني، نعم هو مباح وإن كان غير مستحب عند البعض ومكروه عند آخرين، ولكنني أريد أن أوجه اهتمامك حتى لا يختلط عليك الأمر بين أحكام الماضي والحاضر أن حكم الإباحة مرتبط بثلاثة أمور:
1. أن تكون من أهل الكتاب ومعظم النساء حاليًا في روسيا يمكن أن نطلق عليهن لا دينيات، أي إنها ستكون ملحدة أو مؤمنة بوجود إله ولكن دون اعتناق أي دين فهي ليست يهودية أو نصرانية.
2. أن تكون محصنة، أي عفيفة، وهو أمر بحاجة لجهد كبير منك في البحث، حيث إن ثقافة العفاف أصابها الضمور في هذه البلاد وشاعت ثقافة العلاقات الحرة أو العلاقات الفاحشة إن أردنا الدقة في التعبير.
3. أن تدفع لها مهرًا ولو رمزيًّا دلالة على جديتك في الزواج، ولعل هذا هو الأمر الأكثر سهولة.
ابني الكريم، بما أنك طالب ما زلت تحصل على المال من والدك فأقصى ما تستطع تقديمه لها هو خاتم كمهر مثلا، فأنت لا تملك أجر مسكن ولا تستطيع أن تنفق عليها ولا تستطيع أن تمارس قوامتك عليها، وأقصى ما يمكن تحقيقه أن تعملا أنتما الاثنان وتتقاسما كل المصروفات معًا فتكون علاقتكما أقرب للمساكنة ولكن تحت غطاء شرعي، والأسوأ أن يسكن كل منكما منفردًا وتلتقيان في فندق ونحو ذلك فتختفي كل معاني السكن من حياتك ولا يتبقى لك إلا إشباع جوع الغريزة.
فهل هذا هو تصورك عن معاني الزواج التي قال الله سبحانه وتعالى عنها: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]، فهل تعتقد أنك ستشعر أن هذه الفتاة غير المسلمة ستشعر بها كجزء من نفسك؟.. هل ستحقق لك السكن؟.. هل ستظلل علاقتكما المودة والرحمة؟ هذه كلها أسئلة عليك أن تجيب عليها بصدق.
حلول مرحلية
والآن دعنا نضع خطة عملية متدرجة لحل ما تعاني منه:
المرحلة الأولى: يمكن أن نطلق عليها مرحلة الصبر والصمود فتحرص على غض بصرك وتكثر من الصيام وقراءة القرآن وتحرص على ممارسة الرياضة، وتشغل وقتك دائما وأنت طالب طب أي لديك الكثير والكثير من الدراسة.
المرحلة الثانية: إذا شعرت أنك قريب جدًّا من علامات الخطر ودفاعاتك متهاوية، فمقترح والدك هو الأفضل أي البحث عن فتاة مسلمة، وبإمكانك سؤال إمام المسجد في مدينتك فقد يكون هناك نساء مسلمات قليلات أو حديثات الدخول في الإسلام.. قلت إن المسلمات في مدينتك لا يعرفن شيئًا عن الإسلام، بإمكانك أن تستغل ثقافتك الدينية وتستثمر فترة الخطبة في تعريف خطيبتك عن الدين واهتم بالمبادئ الكبرى وخاصة العقيدة والأخلاق والصلاة.
المرحلة الثالثة: إذا لم يتوافر في محيطك إلا غير المسلمات فابحث عن أكثرهن عفة وأحسنهن خلقًا واعرض عليها الإسلام حتى تستطيع الزواج بها، وهو أمر لا غبار عليه، وهو أمر قامت به امرأة من قبل، أعني أم سليم عندما خطبها أبو طلحة وكان وقتها مشركًا فقالت له: (أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذاك مهري، لا أسألك غيره)، فابدأ بمدح عقلها وخلقها ثم اعرض عليها الأمر وإن رفضت فكرر الأمر بعد البحث عن أخرى، واستعن بالله سبحانه وتعالى فهو من يفتح القلوب المغلقة، فتوكل عليه وادعوه دائما أن يطهر قلبك ويحفظك ويجنبك شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.. حفظك الله يا بني وأفرغ عليك صبرًا وثبت أقدامك، وتابعنا بأخبارك.