الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
51 - رقم الاستشارة : 935
09/02/2025
السلام عليكم أنا امرأة متزوجة ولدي طفلين أعمل أنا وزوجي لتوفير لقمة الخبز لاولادي وأعيش حياة صعبة جدا ومضغوطة من كل جهة خاصة وزوجي رجل مريض يمارس عمل بسيط يدر علينا دخلا محدودا كما أن مرضه يمنعه من إقامة علاقة زوجية طبيعية كما أن لدي ولدي أشقيا جدا وانا اعود البيت لاطهو وارتب البيت اللي بيكون اتبهدل بسبب هذه الشقاوة.. كل ده مقدور عليه انما اللي بيخليني انام كل يوم متنكدة هو سلفتي اللي ساكنة في الطابق العلوي والتي لم يرزقها الله باولاد بسبب ان زوجها عنده مشاكل وفرصته في الانجاب تقريبا معدومة وهو يعوض ده بأنه بيشتري لها كل حاجة وكل يوم ياتي باكياس مشتروات ولا يعطي لاولاد اخوه حاجة وكل اسبوع يخرجوا يتفسحوا وهي لا تعمل لكن كل فلوسه هي اللي مسيطرة عليها ودايما اسمع صوت ضحكهما ييصل عندي في الطابق السفلي وساعات لما الغيرة بتاكلني بتصنت عليهما .. انا مش قادرة اخرجهم من دماغي ودايما بقارن حالي السيئ بالدلع اللي شايفاه سلفتي وساعات بحس اني بكرهها ونفسي تعاني زيي.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة على بوابة استشارات المجتمع.. أدرك أنك تعانين، فكل حرف من حروف كلماتك يدل على المعاناة.. ظروفك الاقتصادية السيئة.. ضغوط العمل ودوامته.. زوجك المريض حتى أولادك الذين لا يريحونك ولا يساعدونك، وهذا كله كما قلت أنت تستطيعين تحمله، ولكنك غير قادرة على مشاعر الغيرة التي تحرق قلبك عندما تقارنين بين حياتك البائسة -كما تتصورين- وحياة سلفتك المرفهة التي تقضيها خروجات ونزهات وضحكات وجميع طلباتها المادية مجابة.. أليس كذلك؟
دعينا نحلل الأمر ونقلبه على وجوهه إذن، لكن ما رأيك أن تتوقفي قليلا عن القراءة وتتنفسي بعمق ثم تصلي على النبي الصلاة الإبراهيمية (التي تقولينها في النصف الثاني من التشهد أثناء الصلاة)، وبالمناسبة أختي الغالية هل أنت ممن يحافظون على صلاتهم؟ أم أنك تتركين بعضها أثناء العمل؟ هل أنت مقيمة للصلاة أم أنك تضيعين صلاتك وتهملينها؟ بدأت بهذا السؤال لأنه سؤال وجواب وحل لكثير مما تعانين منه، وسأشرح لك كيف أثناء تحليل مشكلتك التي تنقسم إلى محورين:
المحور الأول مشكلاتك الشخصية والعائلية
أنت أختي الغالية مضغوطة ومحبطة مثلك مثل كثير جدًّا من الأمهات العاملات، بالإضافة لمرض زوجك وما استتبعه من حرمانك من حق أساسي من حقوق الحياة الزوجية وما مثّله ذلك عليك من ضغط إضافي.
الأعباء الملقاة على عاتقك هي مسئوليات لا يمكن التخلي عنها، وظروف مرض زوجك هو أيضًا مسألة قدرية لا يمكن الاعتراض عليها، أما ما نستطيع تغييره في هذه المعادلة وسيجعلها تتوازن هو قدرتك الشخصية على التحمل والصبر الإيجابي، أو ما يمكننا أن نطلق عليه "الصمود النفسي" الذي هو عكس الهشاشة النفسية التي تجعل من أي حمل صغير إضافي حملاً مضاعف الحجم يكسر الظهر.. فما هو هذا الصمود النفسي؟ وكيف يمكن لك التحلي به؟
الصمود النفسي –غاليتي- يعني المرونة في مواجهة الضغوط والنمو من خلالها؛ فالظروف التي تعيشينها هي ضغوط أريدك أن تتكيفي معها وتكوني مرنة في التعامل معها، بل يمكن لهذه الضغوط أن تدفعك للنمو والتطور.
سأضرب لك نموذجًا: أنت مضغوطة ومحبطة ومنزعجة و.. و.. تدخلين إلى بوابة الصلاة وتسجدين لله رب العالمين وتطرحين همومك وتخرجين كل انفعالاتك السلبية وتبكين وأنت على يقين أن الله يراك ويسمعك ويحب لجوءك إليه وهو القادر على كشف الضر عنك فتخرجين من الصلاة وقد تخففت من أحمالك، وفي الوقت ذاته كانت الضغوط وراء هذه الصلاة الخاشعة، أنت هكذا تتطورين وتنمين عبر الضغوط.
سأضرب لك نموذجا للمرونة في مواجهة الضغوط: أطفالك، ولم تذكري أعمارهم وإن كنت أظن أنهم في أعمار صغيرة نوعًا ما (ويمكنك أن تكتبي للمستشارة التربوية على الموقع كي تضع لك خطة تفصيلية للدعم) تشكين من أنك تعودين للبيت وقد أثاروا لك الفوضى في كل مكان وهو ضغط بالتأكيد على امرأة عائدة لتوها من يوم عمل طويل.. فلو أنك تغلقين كل غرف المنزل ولا تتركي سوى غرفتهم الشخصية وأن تضعي فيها ما يمكن أن يثير شهيتهم للعب بصورة آمنة فإنك في هذه الحالة تحصرين الفوضى في أضيق نطاق.. لو كان الزوج موجودًا في المنزل فيمكنه الإشراف حتى لا يثير الأطفال الفوضى.
يمكنك الحوار معهم مهما كانوا في سن صغيرة وإقناعهم بضرورة دعمك.. ممكن أن تعقدي مسابقة لمن سيرتب فراشه أفضل.. الأفكار كثيرة جدًّا لو تواجدت المرونة، وهذا ما أنت بحاجة إليه.
نموذج آخر للمرونة أنت تواجهين ضغطًا لأن احتياجاتك كزوجة غير مشبعة كون زوجك مريضًا، وما فهمته منك أن مرضه لم يحل بينه وبين العمل وإن كان عملاً بسيطًا، فلماذا لا تسعين معه في رحلة علاجية جادة تحل هذه النقطة من العمق وهو أمر ممكن لو لم يتمكن منكم اليأس، وعلى افتراض أنه غير ممكن وأنه يتناول عقاقير تحول دون ذلك، يمكنك قضاء وقت حميمي معه بأشكال أخرى مختلفة، والحوار والصراحة في مثل هذه الأمور فعالة جدًّا بينما السخرية ونعي الحظ ونحو ذلك تدمر ما تبقى من علاقتكما.
المحور الثاني مشاعر الغيرة التي تسيطر عليك
قلت في رسالتك إنك قادرة على تحمل كل الظروف الصعبة التي تعيشينها، لكن ما يدمر سلامك النفسي هو تلك المقارنة مع سلفتك والتي أشعلت قلبك بالغيرة التي قد تصل للكراهية وتمني الشر لها، ولكنني أرى في قلبك مساحة كبيرة من الخير لأن نفسك تلومك على هذه المشاعر وإلا ما كتبت هذه الاستشارة.
أختي الكريمة، لماذا تغارين من هذه المرأة بالذات وهي قد حُرمت من نعمة الأطفال؟ لماذا لم تغاري من أخريات لديهن الزوج المحب والمال الوفير وأيضا لديهن الأطفال؟ لأن هذه المرأة في محيطك.. أليس كذلك؟ لأنها متزوجة من شقيق زوجك.. فهل حقًّا كنت تتمنين تبادل الأدوار معها؟.. تريثي أرجوك قبل الرد.
غاليتي، في هذه الحياة هناك أشخاص كثيرون جدًّا يبدون لنا أفضل منا في كل شيء.. وهناك آخرون يبدون أقل منا بمراحل {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}، ومفتاح حل هذه المشكلة هو الرضا بما قدر الله من الرزق والسعي لنيل رضا الله وهنا يشعر الإنسان بالغنى الحقيقي وتتيسر له الأمور فـ (من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ).. فاختاري لنفسك بين الفقر والغنى، ويساعدك على ذلك الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله)، ومن يعاني أكثر منك الكثير: تخيلي أُمًّا لها ظروفك كلها وواحد من طفليها أو الاثنان لديهما إعاقة عقلية.. تخيلي أُمًّا أرملة وتجري بطفلها في المستشفيات من أجل عمليات جراحية وجلسات كيميائية وإشعاعية.. تخيلي أُمًّا مهددة بالطرد إلى الشارع هي وأطفالها لأنها لا تجد ثمن الإيجار.. تخيلي أُمًّا لديها أطفال كفرخ الحمام ثم تكتشف فجأة أنها هي لديها مرض ميئوس من علاجه.
الكثير والكثير من النساء هن أقل منك دون الحاجة أن تبذلي الجهد في التخيل، فهل سلفتك أفضل حالا منك؟ ألا تفتقد وجود طفل في حياتها؟ ألا تعلمين –غاليتي- أن غريزة الأمومة هي أقوى الغرائز الطبيعية في حياة المرأة؟ ألا تعتقدين أنها تصبر على زوجها هي الأخرى؟ ألا ترين أنه يحاول تعويضها أو إلهاءها؟ ألم يساورك الشك أن هذه الضحكات تخفي خلفها وجعًا وألمًا لا يعلم به غير الله؟
في لحظات الضعف الإنساني يتسرب الشيطان إلى عقولنا ويجعلنا نزهد نِعم الله الكبيرة ولا نراها إلا مسئولية وضغطًا تمامًا كما تشعرين تجاه أطفالك، حتى إذا فقد الإنسان النعمة نتيجة عدم شكره له دخل في دائرة الندم التي لا ترحم وبدأ يعيش على مذاق ثمارها المُرة، فهل تنتظرين أختي الحبيبة أن تتذوقي من هذه الثمار (أعاذك الله منها) بالتأكيد لا.
فاحمدي الله عز وجل من قلبك واغسلي قلبك من مشاعر الغيرة والحسد، وقولي دائما في دعائك (اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا).. جربي أن تدعي لها ولشقيق زوجك بالذرية الصالحة حتى لو كان هذا الدعاء لا تشعرين به، فيكفي أن تجاهدي نفسك لتقوليه ومع التكرار سيتغير شعورك..
وأخيرًا، أوصيك بعدم التجسس عليها، فهو لا يليق بك وبكرامتك الإنسانية، فلا تنحدري لهذا المستوى، وتذكري قول الله عز وجل: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}، وتذكري أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا).. رزقك الله سلامة الصدر وراحة البال ولا تترددي في الكتابة لنا مرة أخرى.