23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 09/01/2025

أعلم أن مشكلتي تبدو تافهة في قلب ما تمر به بلادي من أحداث قتل وتشريد وترويع ولكنني رغما عني أفكر كثيرا في مشكلتي الصغيرة كلما خلوت إلى نفسي.. أنا يا سيدتي فتاة في العشرين من عمري كانت أحلامي كلها تتلخص في الزواج وإنشاء بيت والاستقرار.. أنا فتاة جميلة الوجه في رأي كل من يراني أجيد تدبير أمور المنزل فلم يكن في رأيي ينقصني شيء حتى أتزوج ولكن قبل الحرب بأيام قليلة شاءت إرادة الله عز وجل أن يسقط علي إناء به ماء مغلي حرق بطني وجزءا من صدري وتلقيت علاجا مبدئيا لوقف الالتهابات وهدأت الآلام بالفعل وجف الجلد لكنه أصبح مشوها حتى إنني أرفض النظر لجسدي.. كان الرأي الطبي الذي تلقيته إنني أحتاج لجراحة تجميل وقامت الحرب وبالطبع لم أخضع لأي جراحة ولا استطيع الحديث مع أي شخص بما يؤرقني وأحيانا احتقر نفسي إنني أفكر في مشكلتي هذه في الوقت الذي يفقد فيه الناس أرواحهم وأطرافهم.. فهل ضاع أملي في الزواج وهل ثمة من سيقبل الزواج من فتاة مشوهة الجسد؟ وماذا أفعل حتى أنزع هذا التفكير من رأسي؟

الإجابة 09/01/2025

ملخص الرد:

أسوأ مشاعر قد تتحكم في الإنسان هي مشاعر جلد الذات، وأقسى ما يمكن أن يواجهه هو اليأس من روح الله؛ لذلك ينبغي أن ينظر الإنسان لأحلامه وأفكاره بكثير من المرونة خاصة تلك الأحلام البسيطة التي يتشارك فيها البشر جميعا.. ولا تمنع الأحداث الكبرى للأمة من بقاء هذه الأحلام الشخصية عميقًا في النفس، وهذه الاستشارة توضح كيف يتصالح الإنسان مع نفسه وكيف يستخدم أحلامه لخدمة أمته.

رد الاستشارة:

ابنتي الغالية، أنت فتاة طبيعية للغاية وما تفكرين به هي الأفكار المعتادة للفتيات في سنك وأحلامك كلها مشروعة.. حلم الزواج والبيت مشروع.. حلم العلاج والشفاء بإذن الله مشروع؛ فلا داعي لمشاعر جلد الذات التي توجهينها لنفسك، ولا معنى أن تحتقري شخصك لأنك تفكرين في مثل هذه الأمور بينما وطنك في حالة حرب دامية.

دعيني أبشرك بأمر فعمليات التجميل للحروق خاصة في المنطقة التي أصبت بها لا تتم إلا بعد عام أو عام ونصف على الأقل من الإصابة؛ فلا تقلقي وتتصوري أن الوقت قد فات، فاليوم التالي للحرب قادم بمشيئة الرحمن؛ فاهدئي وليطمئن قلبك.. هذه العمليات يا ابنتي تطورت جدًّا وتحقق نتائج ممتازة.. وهناك حلول أخرى غير جراحية تصل لأعمق طبقات الجلد.. تعرفين بعض الفتيات يرسمن على آثار الحروق  وهناك متخصصات يحولن موضع الإصابة للوحة جميلة...

لست بصدد شرح تفاصيل العلاج والحل بالتأكيد، ولكنني ذكرت لك هذه النقاط كي تعلمي أن هناك حلاًّ بل حلولاً كثيرة، فقط توكلي على الله وأحسني التوكل عليه وثقي أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما تشعرين به وأن الحروب والكوارث الكبرى والآلام التي تمر بها الأمة لا تحول دون أن يسمع شكواك فهو سميع بصير قريب ﴿وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (ابراهيم: 38).

فكوني على يقين من هذا.. بالتأكيد أسرتك الآن مشغولة مهمومة وكل الظروف والمنشآت الطبية لا تسمح الآن، لكن الآن لا يعني أبدًا؛ سيأتي الوقت المناسب فلا تتعجلي الأمور.. كوني صابرة ثابتة وفي الوقت ذاته واثقة في رحمة الله وأنها قريب منك.

وحتى يأتي الوقت المناسب للعلاج أو للزواج إن شاء الله أريدك أن تستثمري هذا الوقت الثمين في حياة كل فتاة؛ فالزواج الناجح لا يقوم على وجه أو جسد جميل وبعض مهارات إدارة المنزل، وإن كانت هذه أمور مهمة ولا شك.

أريدك أن تقرئي أكثر حتى تصقلي عقلك وشخصيتك وتتسع رؤيتك للحياة.. أريد أن يكون لك ورد من قراءة القرآن وحفظ ولو اليسير من آياته فهذا سيمنح قلبك الطمأنينة وسيجعلك تشعرين بمعية الله...

أريدك أن تسبحي بحمد ربك قبل شروق الشمس وقبل غروبها مائة مرة فسيمنحك ذلك الرضا الذي أنت في أمس الحاجة لاستشعاره ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ (طه: 130).

وأخيرًا أريد أن يكون لك دور فعال فيما تمر به أمتك، ما رأيك مثلا في  تعليم الأطفال الصغار في المخيمات وبثهم روح الأمل والصمود.. هذا الدور سيفيدك أنت أولا حتى لا تستشعري أنك منفصلة عما يدور حولك أو تشعري بالذنب لأنك تفكرين في نفسك.. هذا الدور سيجعلك تشعرين أنك فاعلة ومؤثرة وهذا لا يتناقض أو يعارض أحلامك الشخصية.. منحك الله القوة والثبات، وأبعد عنك وساوس الشيطان، ورزقك الزوج الصالح الذي تقر عينك به عاجلاً غير آجل.