قبول الإسلام الجزية من مخالفيه ومدى عدالتها

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : السياسة الشرعية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 249
  • رقم الاستشارة : 2899
07/10/2025

لماذا قبل الله الجزية من مخالفيه؟ ألا يعد ذلك ظلما؟

الإجابة 07/10/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالجزية ضريبة مالية تؤخذ من غير المسلمين في مقابل الزكاة التي تؤخذ من المسلم، ولا مانع من تسميتها جزية أو ضريبة أو زكاة؛ فلا مشاحاة في الاصطلاح، والعبرة بالمسميات وليست بالأسماء، وهذا أمر استقرت عليه الشرائع والنظم الوضعية على مستوى العالم.

 

وهذه الضريبة تفرض عليهم مقابل إعفائهم من الجهاد في الدفاع عن الوطن، والإفادة من مرافق الدولة.

 

لكن الفرق بين الإسلام وغيره؛ أن غير المسلمين عندما تكون لهم الغلبة لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويستحلون أموالهم ودماءهم بغير حق، فهذه الجزية مصدر فخار للمسلمين؛ لأنه تشريع من رب العالمين الذي لا يظلم الناس شيئًا، لكن الناس أنفسهم يظلمون.

 

نظرة سطحية

 

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله – في كتاب الجهاد:

 

من الناس من ينظرون إلى الأمور نظرة سطحية، فيحسبون الإسلام متعسفًا في فرضه الجزية على غير المسلمين. ولو أنهم أنصفوا وتأملوا حقيقة الأمر لعلموا أن الإسلام كان منصفًا كل الإنصاف في إيجابه هذه الجزية الزهيدة. فقد أوجب الإسلام على أبنائه (الخدمة العسكرية) باعتبارها (فرض كفاية) أو (فرض عين)، وناط بهم واجب الدفاع عن الدولة، وأعفى من ذلك غير المسلمين، وإن كانوا يعيشون في ظل دولته.

 

ذلك أن الدولة الإسلامية دولة (عقائدية) أو بتعبير المعاصرين: دولة (أيديولوجية) أي أنها دولة تقوم على مبدأ وفكرة، ومثل هذه الدولة لا يقاتل دفاعًا عنها إلا الذين يؤمنون بصحة مبدئها وسلامة فكرتها... وليس من المعقول أن يؤخذ شخص ليضع رأسه على كفه، ويسفك دمه من أجل فكرة يعتقد ببطلانها، وفي سبيل دين لا يؤمن به، والغالب أن دين المخالفين ذاته لا يسمح لهم بالدفاع عن دين آخر، والقتال من أجله.

 

على أن هناك علة أخرى –يمكن أن تذكر- لإيجاب الجزية على أهل الذمة، وهي العلة التي تبرر فرض الضرائب من أي حكومة في أي عصر على رعاياها، وهي إشراكهم في نفقات المرافق العامة، التي يتمتع الجميع بثمراتها ووجوه نشاطها، كالقضاء والشرطة، وما تقوم به الدولة من إصلاح الطرق وإقامة الجسور، وما يلزمها من كفالة المعيشة الملائمة لكل فرد يستظل بظلها مسلمًا كان أو غير مسلم...

 

قاعدة الجزية

 

وهنا نسأل – أو يسأل الآخرون- سؤالا تجب الإجابة عنه، هو: لماذا قبل الإسلام الجزية من مخالفيه المقاتلين له، الذين خاضوا معه حربًا سفكت فيها الدماء؟ ولماذا قبل بقاءهم على دينهم، وهو يعتبره كفرًا وضلالاً؟

 

والجواب ما ذكره الإمام المحقق شهاب الدين القرافي المالكي رحمه الله في الفرق السابع عشر والمائة في كتابه (الفروق) حين قال: (إن قاعدة الجزية من باب التزام المفسدة الدنيا (يعني: قبول بقاء الكفر وأهله) لدفع المفسدة العليا، وتوقع المصلحة العليا، وذلك هو شأن القواعد الشرعية.

 

بيانه: أن الكافر إذا قتل انسد عليه باب الإيمان، وباب مقام سعادة الجنان، وتحتم عليه الكفر والخلود في النيران، وغضب الديان، فشرع الله الجزية رجاء أن يسلم في مستقبل الأزمان، لا سيما مع اطلاعه على محاسن الإسلام. فإذا أسلم لزم من إسلامه إسلام ذريته، فاتصلت سلسلة الإسلام من قبله بدلا عن ذلك الكفر، وإن مات على كفره، ولم يسلم فنحن نتوقع إسلام ذريته المخلفين من بعده، وكذلك يصلح التوقع من ذرية ذريته إلى يوم القيامة. أ.هـ.

 

والله تعالى أعلى وأعلم

 

روابط ذات صلة:

هل الحكمة من فرض الجزية هو إذلال أهل الكتاب؟

شبهات في الإسلام

الضرائب والجمارك: حكم فرضها ودفعها والعمل في جبايتها

 

الرابط المختصر :