الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : السياسة الشرعية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
740 - رقم الاستشارة : 2277
05/08/2025
هل خروج أهل غزة لاستلام المساعدات يعتبر إلقاء بالنفس إلى التهلكة، وخاصة أنه يغلب على ظنه أنه سيقتل إن خرج ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلا حرج ولا إثم على الذين يخرجون بحثًا عن لقمة عيش تسد جوعهم وجوع أولادهم، أو شربة ماء تروي ظمأهم، أوقارورة دواء تعالج مريضهم وجريحهم؛ لأنهم لو جلسوا مكانهم لماتوا يقينا سواء بالجوع أو القتل، ولو خرجوا ربما نالوا الشهادة في سبيل الله، أو عادوا بقليل من الطعام والشراب، واليقين لا يزول بالشك.
فلا إثم ولا حرج على هؤلاء الصابرين المحتسبين بل لهم الأجر على أية حال، سواء سلموا، أو قُتلوا، إنما الإثم والحرج على من ألجاءهم إلى هذا، أو من تقاعس عن نصرتهم، أو لم يبذل كل غال ورخيص في كسر الحصار عنهم.
وأحكام الشريعة مبنية على اليقين أو غلبة الظن، واليقين موتهم جوعًا، والشك موتهم أثناء خروجهم أو طلبهم للمساعدات، فهم يأخذون بغلبة الظن وأجرهم على الله.
إنه من العار على أمة هي أكثر الناس عددًا ومالاً، وقوةً - إن أرادات - أن تترك مظلومًا حتى لو كان غير مسلم لا يجد الطعام ولا الشراب حتى يكون بين أمرين أحلاهما مر، إما الموت جوعُا، وإما الموت قتلاً، وأحيانًا يجمع عليه بين الجوع والقتل!
فما بالنا بالمسلم المرابط المجاهد الذي يقف على ثغر من ثغور الإسلام يدفع عن الأمة عارها وشنارها وخذلانها؟
الواجب على الأمة وخاصة قادتها والنافذين فيها أن يقفوا بجوار إخوانهم يمدونهم بالمال والعتاد، وليس بالطعام والشراب فحسب، فإن الصهاينة المعتدين تقف معهم الدنيا كلها بكل ما أوتيت من قوة تدافع عن باطلهم وتمدهم علنًا بالأسلحة المحرمة دوليًّا من أجل نصرتهم.
يقول الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73].
ويقول سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71].
إن ما يتحمله هؤلاء الأبطال تنوء به الجبال، ومن يلوم على رجل أو امرأة يرى أولاده خاصة الأطفال يموتون جوعًا ويجلس يتفرج عليهم دون أن يحرك ساكنًا، أو يخشى من الموت.
إن الجوع أشد فتنة من الكفر، فقد أباح الله تعالى كل الأطعمة المحرمة عند حالة الضرورة التي تبيح المحظور، بل أباح للمسلم أن ينطق بكلمة الكفر بلسانه ما دام قلبه مطمئنًا بالإيمان؛ حفاظًا على نفسه من التعذيب بالجوع أو الضرب.
أين نحن من هدي النبي ﷺ من نصرة المظلوم، حيث روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما-: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة".
وروى البخاري بسنده عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه –: "مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى".
والله تعالى أعلى وأعلم.