الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : السياسة الشرعية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
322 - رقم الاستشارة : 2885
06/10/2025
هل يمكن المصالحة مع الأعداء في جهاد الدفع أم أن هذا يعد فرارًا من الزحف؟ وهل هناك فرق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب في هذه النقطة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد فرّق الفقهاء بين جهاد الطلب وجهاد الدفع عندما لا تتكافأ القوى، ويشعر المسلمون بالهزيمة لأسباب كثيرة من أهمها كثرة عدد الأعداء وقوة بأسهم، ففي جهاد الطلب يجب الانسحاب حتى لا يؤدي القتال إلى الهلكة واستئصال شأفة المسلمين، وفي جهاد الدفع يجب القتال بكل ما يستطاع، ولكن ليس إلى الحد، الذي يؤدي إلى الهلكة، ولا يعد المسلمون في هذه الحالة - بعد ما جاهدوا بكل ما في وسعهم - فرَّارا من الزحف، ولكنهم معذورون مأجورون.
ويرجع في هذه المسألة لأهل الرأي منهم من أهل السياسة والفقه معًا، وما يهديهم الله إليه فسيكون خيرًا لهم، والعاقبة للمتقين.
حين تجري الأقدار على المسلمين
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله - في كتابه فقه الجهاد، إجابة عن هذا السؤال: ماذا يفعل المسلمون عند ضعفهم أو هزيمتهم أمام عدوهم؟ فيقول:
فماذا يفعل المسلمون حين تجري عليهم الأقدار، وتدور بهم الأيام، فينكسرون ويهزمون أمام أعدائهم؟ أو حين يرون أعداءهم أقوى بكثير منهم، وأنهم لا قبل لهم بهم، ولا طاقة لهم بحربهم؟ هنالك لا مفر من الاعتراف بالواقع، فالمكابرة لا تغير الحقائق، ولا تجعل الضعيف قويًّا، والقوي ضعيفًا. فإذا رأت قيادة المسلمين – بعد التشاور في الأمر، كما هو واجب- أن هناك خطرًا عليهم من استمرار القتال، وجب وقف القتال، سواء طلب العدو إيقافه أم لم يطلبه.
الانسحاب خوف الهلاك
* في جهاد الطلب يجب الانسحاب فورًا خوف الهلاك:
فإن كان الجهاد (جهاد طلب)، أي نحن الذين نغزو العدو ونبدؤه بالقتال، كان علينا أن ننسحب إلى الخلف خطوات، ونعود متحيزين إلى دار الإسلام، وخصوصا إذا كان العدو أكثر من ضعف جيش المسلمين، فالتولي من الزحف – أو الانسحاب من المعركة – مشروع في هذه الحالة. بل قد يكون واجبًا، إذا كان هناك خطر على الجيش المسلم إذا استمر في القتال.
بذل المهج دون التعرض للهلاك
* في جهاد الدفع والمقاومة تُبذل المهج ولكن لا تُعرّض الجماعة للهلاك:
أما إذا كان الجهاد جهاد دفع، أي جهاد مقاومة للعدو الغازي، فهذا جهاد اضطرار، لا جهاد اختيار، هو جهاد مقاومة للوقوف في وجه العدو حتى لا يدخل أرض الإسلام، أو لطرده منها إذا دخل، وفي هذا الجهاد تُبذل المهج والأرواح حفاظًا على الأرض والعرض، ودفاعًا عن الحرمات والمقدسات، ولكن ليس إلى حد تعريض الجماعة كلها للهلاك.
فليس من الحكمة ولا الصواب أن ندخل مع العدو معركة فناء وإبادة، إذا كانت القوى غير متكافئة ولا متقاربة. وهذا من واقعية هذه الشريعة. التي تتعامل مع الحقائق على الأرض، ولا تحلق في مثاليات ليس تحتها طائل. إنها تعمل أبدًا على جلب المصلحة، وتوقي المفسدة. ولها في ذلك فقه رحب عميق، سميناه (فقه الموازنات).
طلب الصلح ودفع المال للعدو
* جواز ابتداء الإمام بطلب الصلح مع العدو:
قال الإمام ابن القيم في فقه غزوة الحديبية من الهدى النبوي، حيث ذكر: جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو إذا رأى مصلحة المسلمين فيه، ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم.
هل يجوز دفع مال من المسلمين لعدوهم؟
كما يرى ابن القيم من فقه هذه الغزوة: مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين: جائز للمصلحة الراجحة، ودفع ما هو شر منه، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما.
والله تعالى أعلى وأعلم
روابط ذات صلة:
اشتراط إذن الإمام في جهاد الدفع في فلسطين
الجهاد في الوقت الحالي وواجبنا تجاه المظلومين في فلسطين