هل ما يحدث لأهل غزة بسبب ذنوبهم ؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : السياسة الشرعية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 314
  • رقم الاستشارة : 2787
25/09/2025

هل ما يحدث لأهل غزة والضفة وغيرها من المناطق المنكوبة المظلومة بسبب معاصيهم، حيث يتحدث  بعض الدعاء عن هذا؟

الإجابة 25/09/2025

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فلا شك أنه لا يوجد معصوم إلا من عصمه الله، من الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، لكن استدعاء المعاصي هنا في الحرب الدائرة بين المستضعفين وأعتى قوى الظلم في العالم استدعاء مجحف ظالم إن أحسنا الظن فيمن يقول به، وهو خادم للظالمين ومثبط للهمم ويقعد الناس عن العون والنصرة.

 

بذنوبنا لا ذنويهم

 

وسواء قصد القائل هذا أم لم يقصده فكأنه يريح ضميره ويبرر عجزه وقعوده عن الجهاد، والأولى أن نقول ما حدث لأهل غزة وغيرها من البلاد المستضعفة بسبب ذنوبنا نحن وتقاعسنا وقعودنا عن نصرتهم وليس بسبب ذنوبهم.

 

ولو قال أهل غزة هذا من باب اتهام النفس لربما كان مبررًا، مع اعتراضنا على جلد الذات بسبب وبغير سبب، أما أن يقول أمثالنا ممن لم يمتحن لا في مال ولا دم ولا عرض فهذا تقول على الله بغير حق.

 

أسباب تأخر النصر

 

ولو سأل السائل عن أسباب تأخر النصر عن المستضعفين لوجد الإجابة حاضرة كافية شافية فيما كتبه الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – في الظلال، حيث قال:

 

قد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار، فيظل الصراع قائمًا حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ولاستبقائه.

 

والنصر قد يبطئ على الذين ظلموا وأُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله.

 

قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعدُ نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكًا لعدم قدرتها على حمايته طويلاً.

 

وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزًا ولا غاليًا لا تبذله هينًا رخيصًا في سبيل الله.

 

وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر، إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعده لله.

 

وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سندًا إلا الله، ولا متوجَّها إلا إليه وحده في الضراء، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن الله به، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.

 

وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها لله ولدعوته، فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئًا من المشاعر التي تلابسه.

 

كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصًا ويذهب وحده هالكًا، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار.

 

وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تمامًا، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارًا من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريًا للناس، ويذهب غير مأسوف عليه.

 

من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن الذين آمنوا.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

روابط ذات صلة:

أسباب عدم استجابة الدعاء لأهل غزة

الواجب العيني والواجب الكفائي في نصرة أهل غزة

الرابط المختصر :