الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
221 - رقم الاستشارة : 3491
06/12/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا امرأة عشت قصة حب عنيفة مع شاب، كان في فترة التعارف والخطبة يظن أن الحب مجرد كلام جنسي، وأن الرجولة تُقاس بعدد الساعات التي يقضيها في الحديث عن رغباته. وإذا رفضت أو وضعت حدودًا، اتهمني أنني "أتقل" أو "أتغير".
ورغم ذلك، كنت أظن أن الزواج سيحوّل هذه العلاقة إلى مودة ورحمة، فيها احترام واهتمام. لكن بعد الزواج فوجئت بالعكس: صار هناك فتور واضح في العلاقة الجنسية، وجفاف في التعامل. لم يعد يهتم بي كما كان، ولا يقترب مني إلا ببرود، وكأن كل ذلك الحماس الذي كان قبل الزواج قد انطفأ تمامًا.
هذا التغير جعلني أعيش في قلق دائم: هل هو فقد الاهتمام بي؟ أم أنه يفرغ شهوته بالخارج؟ أشعر أنني لم أعد شريكة حياة، بل مجرد وجود عابر في بيته.
مشكلتي أنني لا أعرف كيف أتعامل مع هذا الوضع: هل هذا الفتور طبيعي بعد الزواج أم مؤشر على خلل عميق؟ كيف أواجه شكوكي دون أن أظلم نفسي أو أظلمه؟ وهل يمكن أن يعود الاهتمام والدفء إلى علاقتنا، أم أن عليّ التفكير في الانفصال لحماية نفسي؟
أرجو منكم يا دكتورة أن توجهوني: كيف أتعامل مع هذا البرود والشك، وأبني علاقة زوجية صحية فيها مودة ورحمة، لا مجرد واجب بارد؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك ابنتي الكريمة في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
ما عشته -يا ابنتي- في فترة الخطبة مع هذا الشاب ليس حبًّا عنيفًا كما تتصورين، إنها فترة تجاوزات وذنوب ومعاص، فلم يكن من حقه أن يتحدث عن رغباته الجنسية على هذا النحو وكل ما يربطك به هو خطبة أي مجرد وعد بالزواج.. فترة للتعارف واختبار مدى صلاحية الطرف الثاني للزواج.
هو لم يسع للتعرف عليك ولا فهمك، فلقد كانت كل غايته الحديث عن رغباته ومحاولة إجبارك للتفاعل مع ما تسمعين أو على أقل تقدير الصمت على ما تسمعين من كلام لا يجوز إلا بين زوجين، وكان يرهبك للقيام بهذا الدور عندما كنت تحاولين وضع حدود لهذه التجاوزات ويتهمك أنك لا تحبينه أو أنك بـ"تتقلي" وتتغيرين!
لقد كان استمرارك في هذه الخطبة خطأ -يا ابنتي- فأهم أساس نختار به زوج المستقبل هو أساس الخلق والدين وهو ما يتنافى مع ما كان يحدثك به، لكنك تصورت أن كلامه هذا دلالة على حبه العنيف لك ورغبته الشديدة فيك وخفت أن تأخذي موقفًا حازمًا منه خشية أن يتركك، خاصة أنك تعلقت به بعد أن اعتبرت ما يقوله اهتمامًا وعرضت نفسك لفتنة كبيرة وها أنت تعيشين معه اليوم في فتور وجفاء.
توبة لم تتم
ابنتي الحبيبة، لم تذكري في رسالتك أنك تبت لا قبل الزواج أو بعده إلى الله عز وجل من هذه التجاوزات، ولم تذكري أنه هو الآخر قد ندم وتاب مما قام به، ولعلكم تصورتم أن مجرد إتمام الزواج هو بمثابة توبة لصفحة تم إغلاقها وليس الأمر كذلك.. فطالما كان هناك ذنب فكان لا بد من التوبة، وإلا فإن هذا الذنب يظل يلاحق الإنسان في الدنيا والآخرة، وما تعيشون فيه هو إحدى تبعات هذه الذنوب والقاعدة الفقهية والشرعية تقول: (من تعجّل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه)، وزوجك تعجل المتعة واللذة في وقت لم يكن هذا له بحق، ولعلك تجاوبت مع ما يقول واستمتعت به فكانت النتيجة هذا البرود والفتور والجفاء وعدم الحصول على المتعة التي كنتم تتوهمون الحصول عليها؛ لذلك فلا بد لكما من توبة نصوح...
بل لعل ما حدث من فتور هو رحمة من الله حتى تتوبا إلى الله؛ فالبعض لا يُعاقب في الدنيا ولا تتغير حياته بل لعلها تتحسن ظاهريًّا ويكون ذلك استدراجًا ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾.
لذلك -يا ابنتي- عليك أن تندمي على استماعك لهذه الكلمات وعلى أي تجاوب منك فيما قال، واستغفري الله من قلبك استغفارًا كثيرًا ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾، وأكثري من الصلاة على النبي قبل استغفارك وبعده؛ لأن ذلك أدعى للاستجابة.
والله يفرح بتوبة الإنسان المؤمن (للهُ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرض دَويّة مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فاللهُ أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده).
وأنت الآن -يا ابنتي- تعيشين حياة قاحلة أدركك فيها العطش، والتوبة هي الماء الذي تحتاجين والراحلة التي ستخرجك من هذه الصحراء، وبقدر فرحك من الخروج من هذا المأزق فإن الله يفرح بتوبتك أكثر من ذلك.
أنت أيضًا -يا ابنتي- مطالبة أن تدعي زوجك للتوبة قولي له: إنني أشعر أن ما نعاني منه هو جزاء تجاوزاتنا السابقة، فإن أنكر ذنوبه السابقة أو رفض الحديث فقد قمت بواجبك نحوه، وإن أنكر أن هناك مشكلة حالية بينك وبينه فهذا ما سأناقشك فيه في السطور القادمة.
ماذا يحدث؟
لا شك أن عقلك -يا ابنتي- يعاني الحيرة جراء ما يحدث، وأرجو ألا تكوني مبالغة أو أن يكون كلامه قد جعل سقف توقعاتك عاليًا؛ لذلك أنت محبطة من الحياة على أرض الواقع.
هناك عدة احتمالات لما يحدث من زوجك، من ذلك:
* بعض الشباب يعاني من مشكلة أو عقدة الممنوع مرغوب، ففي فترة الخطبة كان راغبًا فيك بشدة وعندما أصبحت زوجته حلاله زهد فيك فأنت موجودة متاحة مضمونة وهذا لا يحمل له الإثارة والشغف.. وقد يكون الأمر أعقد من هذا ولديه مشكلات نفسية جنسية كامنة (عقدة يُطلق عليها مادونا والعاهرة).
* بعض الشباب يعاني من إدمان الإباحية ويجد في الكلام متنفسًا لرغباته ويصور لعقله أنه يمتلك قدرات خارقة كالتي في المواد التي يشاهدها وتأتي التجربة الواقعية مخيبة لآماله وطموحاته وينعكس ذلك على سلوكياته معك ولربما يحملك السبب.. لاحظي أنه لم يستثمر فترة الخطوبة في التعرف عليك وليس بينكما أي مشتركات عاطفية أو نفسية.
* الفتور المفاجئ الذي حدث يدل على أن هناك مشكلة حادة؛ فالفتور الطبيعي يحدث بالتدريج وربما على مدار سنوات، أما ما يحدث مع زوجك فينم عن مشكلة نفسية جنسية، وهناك احتمال ضئيل أنه ينم عن مشكلة صحية جسدية هرمونية وهو احتمال لا يتجاوز 10% لكنه يبقى احتمالاً قائمًا.
ما الحل؟
ابنتي الغالية، كما قلت لك لا بد من التوبة والاستغفار والقرب من الله ودعوة زوجك للاقتراب منه سبحانه.. قراءة سورة البقرة في البيت تمنحكم السكينة والبركة التي أنتم في أمس الحاجة إليها.
* اصبري -يا ابنتي- بعض الوقت.. خذي فرصة لتقييم الموقف مثلا 4 شهور لو أمكنك أن تؤجلي الحمل في هذه الفترة فهذا خير؛ لأن هذا الزواج غير مستقر، لكن عليك استئذان زوجك أولا، ولا أظنه سيعترض.
* حاولي بناء حوار معه.. اهتمي به واسأليه عن أخباره دون إلحاح.. شاركيه يومه.. تحدثي إليه بمرح ولطف، الهدف هو بناء حياة زوجية حقيقية فيها مودة ورحمة.
* كوني أنيقة جميلة لطيفة، لكن لا تبادري معه فيما يخص العلاقة الزوجيه امنحيه متعة المطاردة.. اهتمي أن ترتدي ملابس عادية في البيت كالتي ترتديها الفتيات المتبرجات في الشارع حتى تجذبي انتباهه.. مارسي معه "تقلاً" مقصودًا وانظري رد فعله.
* بعد شهرين من هذه المحاولات لا بديل من حوار صريح.. ليست جلسة تحقيق واتهام، لكن لا بد أن تشرحي ما تشعرين به وما تحتاجين له وما يقلقك.. جلسة تفهمين فيها ما يحدث معه وما الذي يشكو منه.. إنكاره لوجود مشكلة أو محاولة اتهامه لك أنك نكدية ونحو ذلك علامة غير طيبة ومؤشر سيئ.
* لو شعرت أنه مريب ويكذب كثيرًا ويتحدث سرًّا في الهاتف فلربما يكون يحادث فتاة أخرى، أما إن كان يشاهد مواد إباحية فسوف تلحظين ذلك، أما إن كان الأمر غير واضح فقد ينم عن مشكلة نفسية جنسية كامنة بحاجة لبعض جلسات علاج نفسي.
* استمري -يا ابنتي- في القرب من الله والدعاء له بالهداية والعمل على تحسين علاقتك النوعية به على عدة جهات، فإذا وجدت تجاوبًا ولو قليلاً فهذه إشارة جيدة، أما إن استمر على إهماله أو تجاهله فهنا لا بد لك من التصعيد.. أصلح الله حالك يا ابنتي وأصلح بينك وبين زوجك، وتابعيني بخطواتك.
روابط ذات صلة:
وردة الزواج الذابلة.. كيف تحييها الزوجة؟
زوجي قليل الحيلة.. خطوات لاستعادة الوهج
كيف أُعيد الرومانسية إلى حياتي الزوجية؟