23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 11/01/2025

أنا يا سيدتي امرأة في الأربعين من عمري متزوجة ولدي أربعة أبناء مشكلتي بدأت منذ زواجي الذي مضى عليه الآن أكثر من ثماني عشر سنة فلقد تزوجت بعد تخرجي من الجامعة مباشرة ولم ألتقط أنفاسي بعد امتحانات الفرقة الرابعة.. وافقت على زوجي لأن الجميع أشادوا به وبخلقه فهو حافظ لكتاب الله مستقيم السلوك.. لم تترك لي أمي خيارا للرفض فلقد أرهبتني نفسيا وإنني وقد بلغت عامي الجامعي الرابع لم يتقدم إلا هذا الرجل فقد يطاردني شبح العنوسة فنحن يا سيدتي من قرية ريفية صغيرة تتزوج فتياتها منذ سن مبكر.. المهم وحتى لا أطيل عليك فزوجي رجل مسالم مستقيم فعلا ولكنه قليل الحيلة فأخواته البنات يسيطرن عليه (والدته متوفاة) بل وسعين للسيطرة علي أنا أيضا فأنا على الرغم من كوني من سكان القرية إلا إني قضيت سنوات دراستي الجامعية في العاصمة وكنت أدرس فرع من العلوم الإنسانية الراقية.. المهم وجدت نفسي بضغط من أخواته وضغط من أمي أندمج في تفاصيل الحياة الريفية وليته أعجبهم فلقد كنت أنال الكثير من السخرية! .. سعيت كثيرا خلف إعجابهم دون جدوى فتمردت على هذا الوضع وانتهى بنا الأمر للفتور ثم للمشادات الكلامية وأخيرا القطيعة التامة وزوجي كما قلت لك من قبل قليل الحيلة لم يكن له أي موقف بالنسبة لي أو لهم وانتهى الأمر بنا للقطيعة مع أسرته بل بالشعور أننا منبوذون أنا وهو وأولادي من أهله كلهم ثم زادت المشاحنات بيني وبين أمي لرفضها سلوكي مع عائلة زوجي والحقيقة إنني غاضبة منها لإجباري على هذه الحياة التي أعيشها مع هذا الرجل الباهت ضعيف الشخصية الذي لا يستطيع أن يتخذ موقف حقيقي جاد في كل ما نمر به.. أنا يا سيدتي أشعر بالاختناق من حياتي وأصبحت شديدة العصبية حتى مع أبنائي.. هل من أمل؟ صفاء.. مصر

الإجابة 11/01/2025

ملخص الإجابة:

تغيير رؤية السائلة للمشكلة سواء من ناحية زوجها أو أهله أو والدتها سيساعدها لاكتشاف آفاق الحل واستخدام المنهج المقارن سيجعلها تكتشف مساحات مضيئة في شخصية زوجها.. تحمل المسئولية الشخصية عما حدث في الماضي ويحدث في اللحظة الراهنة سيجعل الحل أمرًا سهلاً وممكنًا.

الرد:

أختى الغالية صفاء، أهلا بك في صفحة استشارات المجتمع.. بالتأكيد يوجد أمل بل ومساحة شاسعة منه أيضا فقط يتطلب هذا منك بذل بعض الجهد في إعادة تفكيك وتحليل مشكلتك وهذا ما سوف نقوم بمساعدتك فيه، وأيضا بعد الجهد في الخطوات العملية التي تترتب على هذا التحليل حتى يمكن تنزيله لأرض الواقع.

تعلمين أختي الغالية أسهل وأسوأ ما يمكن أن يقوم به المرء أن يقوم بتحميل طرف خارجي مسئولية ما قام به من أفعال وسلوكيات وما اتخذ من قرارات؛ فأنت وبعد ما يقارب عشرين عاما من زواجك تحملين والدتك قرار زواجك على الرغم من أنها لم تجبرك فعليًّا على شيء وكل ما قامت به هو إثارة مخاوفك وتركت لك القرار ولو لم تلامس هذه المخاوف جزءًا من شخصيتك التي نشأت وترعرت في هذه القرية ما كنت استجبت لها..

أيضا أنت من اتخذت القرار بمحاولة كسب إعجاب أهل زوجك وضغطت على نفسك بشدة لتتحولي لشخصية لا تعبر عن ذاتك الحقيقية، فلما فشلت في نيل إعجابهم ونالك بعض السخرية قمت بالتحول الدراماتيكي السريع من الفتور للمشاحنات الكلامية حتى وصلت لمرحلة القطيعة الكاملة، وكان من الممكن أن تحتمي ببعض المسافات الآمنة، فإن لم تكن العلاقة بينكم علاقة حميمية دافئة قائمة على البر والصلة كان من الممكن ألا تصل لمرحلة النبذ والقطيعة...

الفائدة من هذه الرؤية على أحداث مرت وانقضت أن نعيد تحليل الأحداث برؤية مختلفة عن تلك الرؤية التي اعتنقتها لسنوات وغالبا ما قمت بترديدها على أبنائك، وبالـتأكيد فأهل زوجك لديهم رؤية مختلفة عن تلك الأحداث وما لم تتغير رؤيتك لتفاصيل ما حدث سيكون من الصعب جدًّا اتخاذ خطوات للحل، والإنسان يستطيع أن يغير أفكاره وقناعاته وسلوكياته لكنه لا يستطيع تغيير الطرف الآخر، كل ما يستطيع أن يفعله في هذا الصدد أن التغيير الذي يحدثه بنفسه قد يجلب رد فعل من الطرف الآخر وبالتالي تسير العلاقة في مسار التحسن التدريجي ولو بخطوات بالغة الصغر.

ما توقفني طويلاً وأثار لدي الكثير من علامات الاستفهام هو تلك المشاحنات بينك وبين والدتك لرفضها سلوكك مع أهل زوجك، فلا توجد مصلحة مباشرة لوالدتك بأهل زوجك، وكل مصلحتها تتلخص في أن تعيشي أنت سعيدة ومرتاحة بينهم؛ فلماذا لا تتفهمي موقفها؟.. قد تكون سيدة بسيطة لم تتلق التعليم العالي الذي تلقيته أنت وقد تكون حادة لا تفهم في مناهج التربية الحديثة لكنها تحبك وتخاف عليك، وإن كانت علاقتك بأهل زوجك هي علاقة من الدرجة الثانية فعلاقتك بوالدتك هي علاقة من الدرجة الأولى بل هي أهم علاقاتك بالتأكيد، ربما يكون السبب في ذلك (كما ذكرت أنت) أنها ضغطت عليك للقبول بزوجك فأخذت موقفًا حادًّا من أفكارها ونصائحها ولكن أن تصل الأمور إلى حد المشاحنات فهذا جرس إنذار كبير جدًّا.

نأتي الآن لمحور مشكلتك زوجك الذي تقولين عنه إنه قليل الحيلة وتصفينه بضعف الشخصية وتقولين عنه إنه رجل باهت لا يستطيع اتخاذ قرار أو اتخاذ موقف.

هذا الرجل حافظ لكتاب الله تعالى مستقيم الخلق مهذب كما وصفته ووصفه الجميع، لماذا لا تنظري لشخصه من زاوية أخرى أنه رفض أن يتخذ موقفًا شديدًا منك نصرة لأهله وأخواته البنات، وفي الوقت ذاته لم يعنف أخواته البنات رغبة منه في الحفاظ على صلة الرحم وعدم قطع جسور الود، فاتهمته أنت بضعف الشخصية؟...

ماذا لو أنه كالكثير من الرجال في الريف أخذ صف أخواته البنات وسخر منك؛ فهو اختارك كابنة للقرية ولم يختارك كفتاة عاشت في العاصمة؟.. ماذا لو كان من هؤلاء الرجال الذين يستخدمون العنف اللفظي أو البدني؟.. ماذا لو كان حادًّا عصبيًّا سيئ الخلق؟ الكثير والكثير من ماذا لو حتى تستطيعي وضع زوجك في المكانة اللائقة به باستخدام المنهج المقارن.

أختى الكريمة، أريدك أن تتصالحي مع حياتك وأن تعيشي في حالة من الصلح مع الذات؛ فزوجك ليس بالإنسان السيئ وهو والد أبنائك الأربعة فارضي به من داخلك وقدريه وحاولي بجدية أن تنظري له بعين الرضا، واعلمي أنه هو جنتك ونارك؛ فخذي الأمر على محمل الجد ولا تجعلي الشيطان يوسوس لك ويفتح عليك باب "لو"...

ساعديه على صلة رحمه وأيضا ساعدي أولادك على صلة رحمهم ولو بالقليل.. مكالمة هاتفية.. تعليق على منشور على وسائل التواصل.. تهنئة في مناسبة هذه أمور تصلح كبداية لاستئناف العلاقات، وتذكري أن الخير كله يأتي من البوابة الكبرى لصلة الرحم، وتذكري قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان "مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقِه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه" حتى لو كان هؤلاء الأهل هم الذين بدأوا بالقطع فهذا لا يبرر قطعهم في المقابل أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصِلُ بالمُكافِئ، ولكِنِ الواصِلُ الَّذي إذا قُطِعتْ رَحِمُه وصَلَها" رواه البخاري.

فأنت صليهم وشجعي زوجك على الصلة وانتظري الخير الوفير وراحة البال والسكينة.

أما والدتك فتوقفي فورا عن المشاحنات معها وتجاوزي أي مشاعر سلبية من مخلفات الماضي واسمحي لهذه المشاعر بالرحيل.. تلمسي دوافعها الطيبة فهي تعينك واستمعي لنصحها فقد يفيدك، واستعيني بالله على تيسير حياتك، وتابعينا بأخبارك دائمًا.