الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
59 - رقم الاستشارة : 1516
07/04/2025
ماذا نقصد بتحرير المصطلح ؟ وهل له أهمية في النقاش والبحث والتفكير؟
السؤال ذو أهمية، رغم أن الكثير لا يفطن إلى أهمية تحرير أو تحديد المصطلح قبل الخوض في أي نقاش أو حوار وجدال، وقبل حتى الكتابة العلمية البحثية.
فتحرير المصطلح وتحديد معناه ومقصوده وحدوده مهم للغاية، فهو يختصر النقاش، ويجعله ينصب على القضايا والمسائل المهمة، ويحدد محل الاختلاف والاتفاق، وهو ما أشار إليه الفيلسوف الفرنسي "فولتير" بقوله: "إذا كنت ترغب في التحدث معي عرّف ما تقول وحدد قولك، كم من نقاش قد ينكمش ويتحول إلى مقطع لو تجرأ المتناقشون على تحديد عباراتهم وجملهم".
والمصطلح كما يعرفه البعض هو "رمز لغوي لمفهوم معين"، وعرفه آخرون بأنه "تسمية لمفهوم معين من أجل الدلالة عليه"، ومن ثم فالمصطلح هو الوعاء الذي يحمل العلوم ويحافظ عليها، وهو يمثل اللغة الخاصة بكل علم، ولا تتجلّى العلوم إلا في مصطلحاتها وألفاظها.
أما تحرير المصطلح فيعني "توضيح وتبيين المصطلح من طرف مَن أراد استعماله بشكلٍ يُستبعد معه أن يفهم بفهْم آخر".
وقد أدرك علماء المسلمين أهمية تحرير المصطلحات: فيقول الإمام الفخر الرازي: "لا نزاع في أن لكل قوم من العلماء اصطلاحات مخصوصة يستعملونها في معان مخصوصة؛ إما لأنهم نقلوها بحسب عرفهم إلى تلك المعاني، أو لأنهم استعملوها فيها على سبيل التجوز، ثم صار المجاز شائعًا، والحقيقة مغلوبة".
أما "ابن قيم الجوزية": "لا ننكر أن يحدث في كل زمان أوضاع لما يحدث من المعاني التي لم تكن قبل، ولا سيما أرباب كل صناعة فإنهم يضعون لآلات صناعاتهم من الأسماء ما يحتاجون إليه في تفهيم بعضهم بعضًا عند التخاطب، ولا تتم مصلحتهم إلا بذلك، وهذا أمر عام لأهل كل صناعة مقترحة أو غير مقترحة، بل أهل كل علم من العلوم قد اصطلحوا على ألفاظ يستعملونها في علومهم تدعو حاجتهم إليها للفهم والتفهيم".
وكان لعلماء الشريعة الإسلامية والفقه سبق في الحضارة الإسلامية في مجال تحرير المصطلحات، بل إنهم أسسوا علمًا خاصًّا أسموه "علم أصول الفقه" ضَبَطوا فيه المصطلحات الفقهيَّة؛ بحيث لا يلتبس على أحدٍ معناها إذا ما وجدها في أحد كُتُب الفقه، فـ"المصطلح الأصولي هو المدخل الأساسي الآمن لفهم مسائل هذا العلم وإدراك مباحثه وضبط مفاهيمه ومضامينه، وهو وسيلة من وسائل تقويض الخلاف وتضييق مساحته".
ونجد أن المذاهب الفقهية وضعت كتبًا، لتحرير المصطلحات الواردة في المذهب، منها:
* كتاب "طلبة الطلبة" لعمر بن محمد النسفي الحنفي، وهو في مصطلحات المذهب الحنفي.
* وكتاب "الحدود" لابن عرفة المالكي، في مصطلحات المذهب المالكي.
* وكتاب "المصباح المنير" لأحمد بن محمد المقري الفيومي، في مصطلحات المذهب الشافعي.
* وكتاب "المطلع على ألفاظ المقنع" لمحمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، في مصطلحات المذهب الحنبلي.