الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
30 - رقم الاستشارة : 1405
22/03/2025
لماذا يهتم بعض المستشرقين بالبحث عن النسخة الأولى المكتوبة من القرآن الكريم، خاصة المستشرق الأمريكي بروبيكر؟ وما الأهداف التي تقف وراء مثل تلك المشاريع؟
في البداية يجب أن تعلم أن القرآن تحد لغير المؤمنين منذ لحظة نزوله وإلى الآن، وهذا التحدي لم يستطع كفار الأمس ولا مشككو اليوم أن يواجهوه، سواء في إعجازه البياني والدلالي والإصلاحي والعلمي، وكافة وجوه الإعجاز.
ومنذ لحظة نزول القرآن وشعار الكافرين {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (فصلت الآية: 26)، فهؤلاء لم يحققوا شيئًا إلا قبض الريح، فلم يستطيعوا أن يُغالبوا القرآن، لذا كان بديل المغالبة مع القرآن هو "والغوا فيه" لعجزهم عن الإتيان بمثله أو بعضه أو مواجهته بالحجة والبرهان والدليل؛ لذا كانوا يتصايحون ويشغبون عند تلاوة القرآن حتى يصدوا الناس عن الهداية.
أما سؤالكم عن المشاريع الاستشراقية للبحث عن النسخ الأولى المكتوبة من القرآن، فهم ينطلقون من فرضية وجود تشابه بين القرآن الكريم وبين كتبهم المقدسة خاصة التوراة والإنجيل؛ ففي نسخهم المقدسة المكتوبة اختلافات جوهرية كبيرة تكاد تجعلنا أمام نصوص وكتب مختلفة.
وهؤلاء المستشرقون يظنون أن العثور على النسخ الأولى المكتوبة من القرآن، ربما يمدهم بالاختلاف بين النص القرآني الحالي، وبين النص القرآني الذي كُتب أول مرة، وبذلك ينفتح لهم باب للتشكيك في القرآن الكريم والادعاء بأنه نص محرف، فنجد مثلا أن المستشرق "ألفونس مينغانا" و"أغنيس سميث لويس" يزعمان بوجود ثلاث مخطوطات قرآنية قديمة تختلف عن النص القرآني الحالي، كما أن المستشرق الألماني "جرد بوين" ادّعى وجود تحريف في المخطوطات القرآنية المكتشفة في جامع صنعاء باليمن عام 1965م عن النص القرآني المتداول بين المسلمين.
ومساعي المستشرقين للتشكيك في النص القرآني جعلتهم يؤرخون للرقوق القرآنية، أي الجلود التي كُتب عليها القرآن، وكذلك التأريخ للحبر الذي كُتب به المخطوط، واستخدام الوسائل والتحليلات الحديثة لتحليل الرقوق القرآنية مثل "التأريخ بالكربون"، أي استخدام الكربون لتقدير عمر المخطوطة.
ويعد المستشرق الألماني "یاكوب جورج كريستيان أدلر" من أوائل من اعتنى بدراسة المخطوطات القرآنية، وكان ذلك في القرن الثامن عشر الميلادي، ويطلق عليه "رائد المسكوكات الإسلامية"، ويبدو أن نجاح الألمان في دراسة التوراة والإنجيل، من خلال تتبع المخطوطات الأولى، شجعهم على تطبيق مناهجهم وأدواتهم على القرآن الكريم، والسعي للوصول لمخطوطاته الأولى.
ومن بين المستشرقين الذين اهتموا بالبحث عن المخطوطات القديم للقرآن الكريم، المستشرق الأمريكي "دانيل بروبيكر" وأَّلف كتابًا بعنوان "تصحيحات في المخطوطات القرآنية المبكرة: عشرون نموذجًا"، وله قناة على موقع "يوتيويب" يبث فيها مزاعمه، الهادفة إلى إثبات أن المخطوطات القرآنية القديمة تعرضت لتعديل وتصحيح.
زعم "بروبيكر" في كتابه أن هناك أكثر من عشرين نموذجا للتحريفات والتصحيحات عثر عليها في المخطوطات القرآنية العائدة للقرون الممتدة بين السابع والعاشر الميلادي، هذه المحاولات من بروبيكر تسعى لتقويض الحقيقة التاريخية أن العامل الأساسي في نقل القرآن هو الشفهية، حيث كان حفظ القرآن في الصدور، ويصرح بروبيكر أن هدفه هو بناء التاريخ المادي للمخطوطات والعلائق القائمة بينها وبين التقليد الشفهي ليحدد المخطوط الذي نُسخ منه وما هو المنسوخ، لكنّ باحثين حتى من الحقل الاستشراقي شككوا في منهجيته، لضعفها، وعدم استنادها على أية حقائق.
ونشير هنا إلى شهادة مهمة من المستشرق والمؤرخ الأمريكي "تشارلز توري" قال فيها بأن القرآن الكريم لم يطرأ عليه أي تغيير منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فالقرآن بسوره الـ(114)، وآياته (6348)، كما هي منذ لحظة النزول وحتى الآن؛ فالله سبحانه هو من تكفل بحفظ كتابه من كل أشكال التحريف والتبديل والتغيير، أما على مستوى الخبرة التاريخية فكانت الصدور هي التي استودعها الله القرآن الكريم قبل الكتابة، فكان القرآن محفوظًا في تلك القلوب والصدور، والتي تناقلته كما سمعته، وكما نزل به الوحي الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذا تجد النص قرأه المسلم في الصين وتركيا وإندونيسيا وبلاد العرب والأفارقة كما هو، وكما أنزل.