Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 99
  • رقم الاستشارة : 1358
17/03/2025

أسمع كثيرًا عن التفكير النقدي.. فما هو التفكير النقدي؟ وهل يشجع الفكر الإسلامي على هذا التفكير؟

الإجابة 17/03/2025

العقول المدللة لا تستطيع أن تصل إلى الحقائق المذهلة، والعقول الساكنة لن يكون في قدرتها اكتشاف روعة الأشياء، والكسل الفكري تعطيل لآلة العقل ونعمة التفكير.

 

ضريبة تعطيل العقل قاسية، ولعل من أهم واجبات العقل أن ينقد الأفكار التي تُلقى عليه صباح مساء، ولا يقبل شيئًا إلا إذا قام عليه الدليل، وثبتت له الحجة، أما التسليم بالآراء دون جدال ونقاش واختبار، ما هو إلا كارثة، يجب على المسلم ألا يقع في بئرها السحيقة.

 

وأهم ما يجب أن يتصف به العقل هو القدرة على النقد، خاصة في عالم تتدفق فيه المعلومات بغزارة يصعب على العقل التعامل معها دون نقد وفرز وتمحيص، تشير الإحصاءات إلى أن هناك أكثر من 40 ألف عملية بحث عن معلومات تتم كل ثانية على الإنترنت، أي أكثر من خمسة مليارات عملية بحث تُجرى يوميًّا.

 

ما هو التفكير النقدي؟

 

تعددت التعريفات للتفكير النقدي، ومنها أنه "القدرة على تحليل المعلومات وتقييمها واستخلاص النتائج"، وهنا تكمن مهارات مثل القدرة على حل المشكلات، وفهم الأفكار المعقدة، كذلك يعرف –أيضًا- بأنه "القدرة على التفكير بوضوح وعقلانية، وفهم العلاقة المنطقية بين الأفكار"، ويعرف كذلك بأنه "فن إصدار أحكام واضحة ومعللة، تستند إلى تفسير وفهم وتطبيق وتوليف الأدلة التي تم جمعها من الملاحظة والقراءة والتجريب".

 

في كتابه المهم بعنوان "التفكير النقدي" يذكر "جونثان هابر" أن مصطلح التفكير النقدي محل خلاف بين المختصين في الفلسفة وعلم النفس والتربية والدين؛ فالكل سعى لتعريف التفكير النقدي من موقعه، وتبعًا لمخزونه المعرفي، ولعل هذا ما أوجد منافسة بين التعريفات المختلفة، فركز كل فريق وفي كل فترة تاريخية، على الأولويات المُلحة التي كانت مطروحة على العقل في ذلك الوقت، ولعل هذا ما أوجد التنوع في التعريفات.

 

فمنذ وضع عالم النفس والفيلسوف الأمريكي "جون ديوي" بداية التعريف للتفكير النقدي عام 1910م، تتابعت التعريفات المحاولة لوضع صيغة مقبولة لهذا التفكير الذي يعني القدرة على التأمل، ومن تلك التعريفات، ما كُتب في مطلع الأربعينيات بأنه "النزعة إلى التفكير المتعمِّق في المشكلات والموضوعات التي تقع في نطاق تجارب الفرد".

 

وقد تم إحصاء ما يقرب من عشرة تعريفات للتفكير النقدي، ومنها تعريف حظى بانتشار واسع عام 1990م، أعده البروفيسور "بيتر فاسيون" بالتعاون مع (46) معلمًا ومدربًا للتفكير النقدي في الولايات المتحدة وكندا، نصفهم من المختصين في الفلسفة، وتم تعريفه بأنه: "حكمٌ هادف وذاتيُّ التنظيم يُفْضي إلى إجراء عمليات التأويل والتحليل والتقييم والاستدلال والشرح للاعتبارات الإثباتية أو المفاهيمية أو المنهجية أو القياسية أو السياقية، التي يُبنى ذلك الحكمُ على أساسها".

 

ومن ثم فهناك ثلاثة عناصر أساسية في تعريف التفكير النقدي، هي: المعرفة، والمهارات، والخصال أو القدرات الذاتية.

 

ولكن هل نحتاج في حياتنا إلى التفكير النقدي؟

 

التفكير النقدي ضرورة في حياة الإنسان، خاصة المسلم،، فبدون مهاراته، يمكن أن نُضلل بسهولة، فهو يساعد على تمحيص المعلومات والأحداث والأخبار والقصص والأفكار، وتقييم الأشخاص، ونقد الذات، وفهم العلاقات بين الأشياء، مما يساهم في صحة اتخاذ القرار، واعتماد الفرضيات الملائمة، وتوفير الجهد، ويمنح القدرة على قراءة ما بين السطور، وسماع المسكوت عنه في الكلام، والموازنة بين الفرضيات، والنفاذ السريع لجوهر الأشياء، والإمساك بالحجج الصحيحة والقوية، وفرز المعلومات فرزًا منطقيًّا واعيًا، للوصول إلى أفضل السبل وأقصرها وأكثرها نفعًا، ومن ثم اكتساب القدرة على حل المشكلات، مما يمنح النفس شعورًا بالثقة، ورضا عن الذات.

 

الإسلام والتفكير النقدي: شجع الإسلام التفكير النقدي، ورأى أن الإيمان مبصر؛ ففي القران الكريم ورد ما يزيد عن (10%) من آياته على ذكر العقل ومشتقاته ووظائفه والدعوة لاستخدامه.

 

ومن الآيات التي حثت على التعقل والتفكير النقدي، واستخدام الحواس للتعقل والفهم، قوله تعالى في سورة الأعراف الآية (179) قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ}.

 

ومما ذكره المفسرون في قوله "لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا" أن القرآن أثبت لهم وجود القلوب، كما أثبت أنهم لا يستخدمونها في الفهم والإدراك، فالعقل هو آلة التكليف، وهؤلاء عطلوا الآلة، ولذا استحقوا أن يوصفوا بالأنعام، وأن يكون مصيرهم النار، أما أعينهم وأبصارهم، فكما يقول رشيد رضا في تفسير المنار: "لا يوجهونها إلى التأمل والتفكر فيما يرون من آيات الله في خلقه، وفيما يسمعون من آيات الله المنزلة على رسله، ومن أخبار التاريخ الدالة على سننه تعالى في خلقه، فيهتدوا بكلّ منها إلى ما فيه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم".

 

ولعل من أبلغ ما ذكر في هذا الشأن ما قاله الإمام أبو حامد الغزالي: "الشكوك هي الموصلة إلى الحق.. فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر، بقي في العمى والضلال".

الرابط المختصر :