22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 20
  • رقم الاستشارة : 1038
18/02/2025

لماذا تشجع الحركة النسوية الإجهاض وتراه حقًّا للمرأة؟ وهل انتقلت تلك الأصوات الفجة غير الرحيمة إلى عالمنا العربي؟

الإجابة 18/02/2025

من يستمع إلى خطاب القطاع الأكبر من الحركة النسوية في العالم عن كفاحهن لإقرار الإجهاض، باعتباره أحد الحقوق التي يجب أن تتمتع به المرأة، يشعر أنه أمام كائنات متوحشة شرهة لوأد الحياة، كائنات راغبة في ممارسة القتل، ومن الصعب أن يلحظ المرء فرقًا بين تلك النسوية والوثنية العربية في الجاهلية التي كانت تقوم بوأد البنات وهن أحياء.

 

تقدر منظمة الصحة العالمية أن هناك ست حالات من أصل كل عشر حالات من الحمل "غير المقصود" تنتهي بالإجهاض العمد، وأن هناك (73) مليون حالة إجهاض متعمد في العالم كل عام، أي حوالي (200) ألف حالة إجهاض متعمد تتم كل يوم، و45% من عمليات الإجهاض التي تُجرى غير آمنة على المرأة؛ نظرًا لأنها تتم بطريقة غير صحية تراعي سلامة المرأة، ناهيك عن الأمراض النفسية التي تُصاب بها الكثير من النساء اللاتي يخضعن للإجهاض، وفي الولايات المتحدة -مثلا- ينتهي 20% من حالات الحمل بالإجهاض، وفي عام 2020 -مثلا- تم إجراء أكثر من (930) ألف عملية إجهاض، أي بواقع (2500) عملية إجهاض في اليوم الواحد.

 

مركزية الإجهاض

 

ولكن ما هي مسؤولية النسوية عن هذا العدد المخيف من الإجهاض في العالم؟ ولماذا تناضل النسوية من أجل إباحة الإجهاض باعتباره حقًّا للمرأة للتصرف في جسدها، وأن من حق المرأة ألا تسمح لجسدها بأن يكون مأوى لمخلوق جديد؟

 

الإجهاض ذو مركزية لدى قطاع كبير في الحركة النسوية؛ فالحركة النسوية التي أخذت مسارًا واضحًا لها منذ العام 1970م، طالبت بمنح المرأة حقوقًا متعددة، ودعت لأن تتمتع المرأة بحريتها، لكنها انتقلت بعد ذلك لمسار آخر من خلال الدعوة لإباحة الإجهاض، وكانت الفكرة الكامنة وراء تمترس النسويات خلف الإجهاض، هي الرغبة في المساواة التامة مع الرجل في مجالين أساسيين:

 

أولهما: الحرية الجنسية الشاملة للمرأة، أي أن تمارس المرأة الجنس مع من تريد دون أي غطاء ديني أو أخلاقي يعترف بتلك العلاقة ويضفي عليها الشرعية.

 

وثانيهما: الرغبة في تحقيق الذات من خلال العمل والوظيفة في الحياة العامة، وهنا يأتي الحمل كعقبة كؤود، ومن ثم كان الحل الوحيد هو الإجهاض، في حال فشل وسائل منع الحمل، ورفعت النسوية في مظاهراتها شعار "حق المرأة في الإجهاض يعادل حقها في الوجود".

 

ومن يتأمل، يجد أن المرأة تفكر بنفس عقلية الرجل المتحرر من الالتزام الديني والأخلاقي، والذي يفصل بين الجنس والإنجاب من ناحية، ويسعى لتحقيق ذاته في الحياة العملية من ناحية أخرى، ويأتي الجنس في حياته كنوع من اللذة التي تحقق البهجة والسعادة والراحة المؤقتة ليكمل مساره الوظيفي والمهني أو غايته في كسب المال والشهرة والسلطة، بمعنى أن الجنس غريزة يجب أن تُطفأ وليس سبيلاً للإنجاب وإنشاء أسرة وتحقيق السكينة بإنشاء بيت.

 

لكن حتى في الغرب النظر للتحرر الجنسي عند الرجل يختلف عن تحرر المرأة الجنسي؛ فالجنس عند أعلب النساء يرتبط بشرط الأمان العاطفي قبل الفعل ذاته، كما أن الابتذال الجنسي للمرأة لا يُوجد فروقًا بينها وبين بنات الليل اللاتي يقدمن المتعة من أجل المال فقط، أي أن فكرة الفوضى الجنسية الكاملة للمرأة مستهجنة في الغرب أيضًا ولا تحظى بالتقدير والاحتفاء.

 

وهناك قطاع في الحركة النسوية رفض الإجهاض، وتعرض للاضطهاد، ولم يكن من سبيل أمامه إلا الخروج وتأسيس تيار نسوي أطلق على نفسه "نسويات من أجل الحياة" عام 1972، ويسعى ذلك التيار إلى إقناع النساء بأن الإجهاض عمل غير أخلاقي، ورأى هذا التيار أن الإجهاض يسبب عاهات وأمرضًا عديدة للمرأة، كما أن الإجهاض عدوان على الحياة وهذا عمل غير أخلاقي، وأن حق المرأة في السيطرة على جسدها لا يعني منحها حق القتل.

 

وقد حورب هذا التيار النسوي المناهض للإجهاض من النسويات أنفسهن، ورأت النسوية المؤيد للإجهاض أن منع إقرار الإجهاض هو انحياز للذكورية.

 

والحقيقة أن هناك خيوطًا بين النسوية المطالبة بالإجهاض والفلسفة العدمية التي ترفض كل القيم الأخلاقية والدينية، وترفض الإيمان بشيء، وترفض وجود المعنى في الحياة.

 

ترى تلك العدمية أن تآكل المعنى في الوجود، يمنح الإنسان الحق في أن يصنع ويصوغ معنى للحياة خاصًّا به، وأن يتحكم الفرد في مصيره وأفعاله، وهي أفكار التقطتها النسوية وسعت لإقناع المرأة بأن تصوغ معنى لوجودها بعيدًا عن دورها الفطري في الحمل والإنجاب والرعاية، لتعيش حياة تملؤها الفوضى والعبثية والتحلل؛ لذا كان الإجهاض هو الحل السحري للمرأة اللاهثة وراء الحرية الجنسية.