ماذا نعني بكسر التابوه؟ وما استراتيجيته لتحقيق غايته؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكر معاصر
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 65
  • رقم الاستشارة : 3438
27/11/2025

يتردد في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كلمة كسر التابوات، ويأتي استخدام هذه الكلمة مع كل خروج على القيم والأخلاق والأعراف السوية.. فما هو كسر التابوه، وما هي آليات هذا الكسر؟ وهل ينجح في تحقيق أغراضه في خلخلة القيم والأخلاق وتصدعها؟

الإجابة 27/11/2025

أخي الكريم، هناك الكثير من الشعارات البراقة التي تخفي شرورًا خلفها، فهي مثل "مسجد الضرار" الذي تحدث عنه القرآن الكريم، فالبناء والهيئة وشكل الصلاة يشير إلى أنه مسجد، لكن حقيقة المسجدية غائبة عنه، بل إنه مما يلحق الأضرار والأذى بالإيمان والمؤمنين؛ لأنه موقع متقدم لمحاربة مفهوم المسجد.

 

ويكاد ينطبق هذا المثال على شعار "كسر التابوهات" أو كسر المحرمات في المجتمع، فهذا الكسر للممنوعات هو في أغلب الأحيان كسر لحواجز من القيم التي اصطنعها المجتمع لحماية نفسه وقيمه وثقافته وأخلاقه، ولا شك أن بعض تلك "التابوهات" أشياء غير جيدة ومعطلة لحركة المجتمع وترقيته وتقدمه، لكنْ هناك جانب آخر لتلك التابوهات يشتمل على فوائد جيدة تحمي المجتمع من التفسخ وتحافظ على تماسكه واستمرار فعالية منظومة القيم داخله.

 

ما هو التابـــوه؟ وكيف ينشأ؟

 

"تابو" (Taboo) كلمة تعني المحظور أو المحرم على الفرد القيام به، وهي كلمة مقتبسة من لغات سكان جزر في المحيط الهادي، والتابو هو "عادة اجتماعية أو دينية أو ثقافية تُحرّم شيئًا أو تقيّده أو تمنعه تمامًا، وغالبًا ما تكون مرتبطة بأسباب أخلاقية أو معتقدات دينية، والهدف منها الحفاظ على استقرار المجتمع، وتختلف التابوهات من مجتمع لآخر، كما أنها تتغير بمرور الوقت".

 

جاء أول استخدام للتابوه  عام 1777م مع المستكشف البريطاني "جيمس كوك"، الذي قام برحلات استكشافية في المحيط الهادي وتعرف على ثقافات بعض تلك الشعوب، التي كانت تعتقد أن تجاوز الفرد لبعض المحرمات المفروضة يؤدي إلى إطلاق الأرواح الشريرة.

 

ولكل مجتمع "التابوهات" أو المحرمات الخاصة به، التي تصنعها وتضعها الأديان أو لأعراف الاجتماعية أو حتى الأساطير التي تستند إليها الثقافة الشعبية.

 

ومن وظائف "التابوهات" أنها تعمل كقواعد اجتماعية غير مكتوبة للحفاظ على النظام وتنظيم السلوك وتعزيز القيم الثقافية، وتساعد في الحفاظ على التماسك الاجتماعي، ووضع حدود للسلوك المقبول، لكنها قد تستخدم ضد التجديد والتطور والتحديث والتنمية، وهناك عدة تابوهات أساسية في أي مجتمع، منها: التابوهات السياسية، والاجتماعية، والقانونية، والدينية، والجنسية، والغذائية.

 

والتابوهات تعتبر معايير مجتمعية تُحدد ما يُعتبر سلوكًا وخطابًا مقبولًا أو غير مقبول، وهي متجذرة بعمق في السياقات الثقافية والدينية والاجتماعية، وغالبًا ما تُشكل رؤيتنا للعالم وتفاعلاتنا.

 

تشير دراسات في علم النفس إلى أن بعض التابوهات تنشأ من تخيل الناس لوجود علاقة سببية بين حدث معين وبين مصائب أو نتائج غير متوقعة، فعندها يبدأ "التابوه" في وضع بذوره للتشكل، حيث يظن الأفراد أن السبب الخارجي هو سبب المصيبة أو المشكلة، ومن ثم يمكن تجنبها من خلال الامتناع أو الاجتناب، وبالتالي فإن "التابوه" من الناحية النفسية ينظم ما يراه الشخص نوعًا من الفوضى أو العشوائية في نموذج إدراكي يفسر الحدث، وكيفية تجنب مضاره مستقبلاً.

 

ومن هنا تنشأ الأعراف الاجتماعية التي تحترم التابوه وتعتبره ضابطًا للسلوك، ومع مرور الزمن، يتنامى احترام هذا "التابوه" وقد يقترب من مرحلة التقديس، حيث يشبع "التابوه" حاجة إنسانية عند بعض المجتمعات في ربط سوء الحظ والمصائب بأفعال وسلوكيات معينة، ويصبح الامتناع عن تلك السلوكيات والأفعال وسيلة للنجاة مستقبلاً.

 

وعندما يترسخ ذلك المحرم "التابوه" في المجتمع، يبدأ المجتمع في حساب وعقاب من ينتهك هذا المحرم بوسائل متعددة، وهذه العقابات تعزز قوة "التابوه" مستقبلاً في التحكم في السلوك الاجتماعي، وتثبط أي انتهاكات له مستقبلاً، رغم أن الكثير من التابوهات لا تستند إلى أسس علمية أو منطقية.

 

كيف تُكسر التابوهات؟

 

هناك تمجيد حاليًا لكسر التابوهات، لكن من يتعمق في كثير من تلك التابوهات التي يُراد كسرها، سيجد الباحث أن عددًا غير قليل منها يرتبط بالجوانب الأخلاقية والفطرية والدينية وبخاصة ما يتعلق بالإيمان وقضاياه الكبرى أو المسائل الجنسية وبخاصة مسألة الشذوذ والسعي للاعتراف بالشواذ وتحقيق اندماجهم في المجتمع دون نبذ أو كراهية، أو تمجيد التطاول على المقدسات الدينية وبخاصة الأنبياء.

 

ومن وسائل كسر التابوهات:

 

* الوعي والمفاهيم: وهما من الأدوات الأساسية في كسر التابوهات، فتغيير النظام المفاهيمي للشخص تجاه قضايا معينة يؤدي إلى تغيير سلوكه تجاهها، ولذلك نلاحظ في مسألة "الشذوذ" ومحاولة خلق حالة تطبيعية معه، بالمخالفة للثابت في الدين والأخلاق والفطرة، فتم تغيير الوعي تجاه الشذوذ بدءًا من اعتباره مرضًا وانتهاءً باعتباره حقًّا، واستغرقت هذه الرحلة لتغيير المفاهيم أكثر من ستين عامًا، حتى رأينا الكثير من الشخصيات السياسية الكبيرة في العالم يعترف بشذوذه وكأنه يفصح عن إحدى هواياته، وتُفسح له المساحات الإعلامية، التي تصوره على أنه مضطهد نتيجة هذا الشذوذ.

 

* الإلحاح الإعلامي: الإلحاح المستمر، وعبر الوسائط الإعلامية المختلفة، يؤدي إلى كسر الكثير من التابوهات، وهذا الإلحاح يأخذ أشكالاً متنوعة من النقد والسخرية والفضح ثم القدوات التي تكسر التابوهات، مع تنويع الوسائل الإعلامية بحيث لا يمضي يومًا إلا ويجد الشخص خبرًا أو رأيًّا في المجال، ولعل هذا ما لاحظناه في التطبيع مع الشذوذ.

 

مواضيع ذات صلة:

هل للشذوذ أبعاد فلسفية؟

لماذا تؤيد اتجاهات فكرية الإجهاض وتعتبره حقًّا؟

الضحالة الفكرية لماذا انتشرت بين الشباب؟

كيف تؤبد الأوهام عجز الشعوب؟

ما علاقة الرقمية بتعفن الدماغ؟

لماذا كثر المتشائمون حولنا؟

 

الرابط المختصر :